القول في تأويل قوله تعالى :
(وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) (١٤٥)
(وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) من الحلال والحرام (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) أي بعزم على العمل بما فيها (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) أي بما أمروا به دون ما نهوا عنه (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) وهي الأرض التي وعدوا بها من فلسطين ، فإنهم لم يعطوها إلا بعد أربعين سنة من خروجهم من مصر ، وبقائهم في البرّية. فإن موسى عليهالسلام ، لما مات ، خلفه يشوع بن نون ، فحارب الأمم والملوك الذين كانوا يسكنون أرض كنعان ، وفتح بلادهم ، وصارت ملكا للإسرائيليين.
تنبيه :
قال الجشمي : تدل الآية على حدوث كلامه ، لأن قوله : (اصْطَفَيْتُكَ) أي اختصصتك به ، ولو كان قديما لكان موسى وغيره سواء ، ولما صحّ الاختصاص. ويدل قوله : (وَكَتَبْنا) أنه أعطاه التوراة مكتوبة في الألواح عند الميقات ، لتكون محروسة ، وليبلغه الحاضرون إلى الباقين ، ليقع لهم العلم ضرورة. ويدل على أن في التوراة شرائع ، وجميع ما يحتاج إليه. ويدل قوله : (بِقُوَّةٍ) أن العبد قادر على الفعل قبل الفعل ، وأنه يفعل بقدرة. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) (١٤٦)
(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ) أي سأمنع فهم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي ، قلوب المتكبرين عن طاعتي ، والمتكبرين على الناس. أي فكما استكبروا أذلهم الله بالجهل ، كقوله تعالى : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام : ١١٠]. وقوله تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٥]. وقوله تعالى : (بِغَيْرِ الْحَقِ) إما صلة للفعل ، أي