فضرب دونه بالحجاب. ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا ، فسمعوه وهو يكلم موسى ، يأمره وينهاه ، افعل ولا تفعل ، فلما فرغ إليه من أمره ، وانكشف عن موسى الغمام ، أقبل إليهم ، فقالوا لموسى : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) [البقرة : ٥٥] وهي الصاعقة التي يحصل منها الاضطراب الشديد ، فماتوا جميعا فقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) قد سفهوا ، أتهلك من ورائي من بني إسرائيل؟
وفي رواية السدّي : فقام موسى يبكي ويقول : يا رب! ما ذا أقول لبني إسرائيل إذا لقيتهم ، وقد أهلكت خيارهم ، (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ).
وقال ابن إسحاق : اخترت منهم سبعين رجلا ، الخيّر فالخير ، أرجع إليهم ، وليس معي رجل منهم واحد ، فما الذي يصدقونني أو يأمنونني عليه بعد هذا؟ وعلى هذا فالمعنى : لو شئت أهلكتهم من قبل خروجنا ، فكان بنو إسرائيل يعاينون ذلك ولا يتهمونني.
وقال الزجاج : المعنى لو شئت أمتّهم من قبل أن تبتليهم ، بما أوجب عليهم الرجفة. انتهى.
قال ابن القيم في (إغاثة اللهفان) بعد نقل كلام من ذكرنا : وهؤلاء كلهم حاموا حول المقصود ، والذي يظهر ـ والله أعلم بمراده ومراد نبيه ـ أن هذا استعطاف من موسى عليهالسلام لربه ، وتوسل إليه بعفوه عنهم من قبل ، حتى عبد قومهم العجل ، ولم ينكروا عليهم ، يقول موسى : إنهم قد تقدم منهم ما يقتضي هلاكهم ، ومع هذا فوسعهم عفوك ومغفرتك ، ولم تهلكهم ، فليسعهم اليوم ما وسعهم من قبل. وهذا كمن واخذه سيده بجرم يقول : لو شئت واخذتني قبل هذا بما هو أعظم من هذا الجرم ، ولكن وسعني عفوك أولا ، فليسعني اليوم. ثم قال نبي الله : أتهلكنا بما فعل السفهاء منا؟ فقال ابن الأنباري وغير : هذا استفهام على معنى الجحد ، أي لست تفعل ذلك. والسفهاء هنا عبدة العجل.
قال الفرّاء : ظن موسى أنهم أهلكوا باتخاذ قومهم العجل ، فقال : أتهلكنا بما فعل السفهاء منا؟ وإنما كان إهلاكهم بقولهم (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً). انتهى.
واستظهار أن هذا استفهام استعطاف ، سبقه إليه المبرّد.
تنبيه :
قال في (اللباب) : معظم الروايات أنهم ماتوا بسبب تلك الرجفة ، أي ثم