باسمي ، أنا أطالبه. إلى كون هذا النبيّ مأمورا بجهاد من كفر بما جاء به من عند الله ، والانتقام منه بسيفه البتّار. وزعمت النصارى أن الانتقام هنا بمعنى العذاب الأخرويّ لمنكريه ، وهو خطأ ، لأن ذلك لا يختص بهذا النبيّ ، بل كل من أنكر ما جاء به نبيّ من الأنبياء ينتقم منه في الآخرة ، فلا معنى لتخصيص هذا النبيّ بالذكر حينئذ.
٣ ـ كون شريعتهما مشتملة على الحدود والقصاص والتعزير وإيجاب الغسل على الجنب والحائض والنفساء ، وإيجاب الطهارة وقت العبادة ، وهذه كلها ليست موجودة في شريعة عيسى عليهالسلام ـ على ما تقول النصارى ـ ونظائر ذلك كثيرة. وفي هذه البشارة إشارة إلى كون هذا النبيّ أميّا لا يقرأ ، حيث قال (يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي) وبذلك تعرف سر وصفه به في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ...) الآية التي نحن في صددها.
ومنها ـ في الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا : (إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي ، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر ليثبت معكم إلا الأبد ، روح الحق الذي لن يطيق العالم أن يقبله لأنه ليس يراه ، ولا يعرفه. وأنتم تعرفونه ، لأنه مقيم عندكم ، وهو ثابت فيكم). وهذه بشارة من المسيح عليهالسلام بأن الله تعالى سيبعث للناس من يقوم مقامه ، وينوب في تبليغ رسالته ، وسياسة خلقه ، منابه ، وتكون شريعته باقية مخلدة أبدا ، وهل هذا إلا محمد صلىاللهعليهوسلم. و (الأب) هنا بمعنى الرب والإله ، لأنه اصطلاح أهل الكتابين. وقد أشار عيسى عليهالسلام بكونه (روح الحق) إلى أن الحق قبل مبعثه ، يكون كالميت لا حراك له ، ولا انتعاش ، وأنه إذا بعث يكون كالروح له ، فيرجع حينئذ قائما في الأرض. ولا خفاء أنه عليه الصلاة والسلام ، هو الذي أحيى الله به الحق بعد عيسى عليهالسلام بعد ما اندرس ، ولم يبق فيه نفس. ثم قال : (الفارقليط روح القدس الذي يرسله الأب باسمي هو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كل ما قلته لكم). ولا شك بأن محمدا صلىاللهعليهوسلم هو الذي علم كل شيء من الحقائق ، وأوضح ما خفي من الدقائق ، وذكّر أمة عيسى ما نسوه من أقواله المتضمنة أنه عبد من عباد الله تعالى ، قربه إليه بالرسالة واصطفاه ، وأنه لم يدع لسوى عبادة الله وتوحيده ، وتنزيهه وتمجيده. وقوله (باسمي) أي بالنبوة. ثم أبان لهم سبب إخبارهم به قبل أن يأتي فقال : (والآن قد قلت لكم قبل أن يكون. حتى إذا كان ، تؤمنون).
وفي الباب الخامس عشر من الإنجيل المذكور : (فأما إذا جاء الفارقليط الذي