بيده! لا يسمع بي رجل من هذه الأمة ، يهودي ولا نصراني ، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِ) أي الذي نبئ ما يرشد الخلائق كلهم ، مع كونه أميّا. وفي نعته بذلك زيادة تقرير أمره وتحقيق أنه المكتوب في الكتابين (الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) أي ما أنزل عليه وعلى من تقدمه من الرسل من كتبه ووحيه (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (١٥٩)
(وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) أي : موقنين ثابتين ، يهدون الناس بكلمة الحق ، ويدلونهم على الاستقامة ، ويرشدونهم (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) وبالحق يعدلون بينهم في الحكم ، لا يجورون. والآية سيقت لدفع ما عسى يوهمه تخصيص كتب الرحمة والتقوى والإيمان بمتبعي رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حرمان أسلاف قوم موسى عليهالسلام ، من كل خير ، وبين أن كلهم ليسوا كما حكيت أحوالهم. وقيل هم الذين آمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم. ويأباه أنه قد مرّ ذكرهم فيما سلف. أفاده أبو السعود.
وهذه الآية كقوله تعالى : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) [آل عمران : ١١٣] ، وقوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً ، أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) [آل عمران : ١٩٩].
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١٦٠)
(وَقَطَّعْناهُمُ) أي قوم موسى (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً) أي صيّرناهم قطعا ، أي فرقا ، وميزنا بعضهم من بعض. والأسباط : أولاد الولد ، وكانوا اثنتي عشرة قبيلة ، من اثني عشر ولدا ، من ولد يعقوب عليهالسلام (أُمَماً) أي عظيمة وجماعة كثيفة