ومنها : أنه لا بد أن يكون فيه فائدة ، وفائدته أن يذكره ليجري على تلك الطريقة ، وإذا لم يذكره بطلت فائدته.
ومنها : أن الاعتراف لا يصح إلا وقد تقدم حال لهم عرفوا ذلك ، فكيف يصح في ابتداء الخلق ، إلى غير ذلك مما لا يقبله العقل.
ثم قال : قال مشايخنا رحمهمالله : والآية ظاهرها بخلاف قولهم من وجوه :
منها : أنه قال : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) ولم يقل (من آدم). وقال : (مِنْ ظُهُورِهِمْ) ولم يقل (من ظهره). وقال : (ذُرِّيَّتَهُمْ) ولم يقل (ذريته).
ومنها : أنه قال : (أَنْ تَقُولُوا) يعني فعل ذلك ، لكيلا تقولوا : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ). وأي غفلة أعظم من أن جميع العقلاء لا يذكرون شيئا من ذلك.
ومنها : أنه قال : (إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا) ولم يكن لهم يومئذ أب مشرك. وكل ذلك يبين فساد ما قالوا. ولم يصحح أحد من مشايخنا هذه الرواية ، ولا قبلها ، بل ردها. غير أبي بكر أحمد بن عليّ ، فإنه جوّز ذلك من غير قطع على صحته. غير أنه قال : ليس ذلك بتأويل الآية ، وذكر أن فائدة ذلك أن يجروا على الأعراق الكريمة في شكر النعمة ، والإقرار بالربوبية. كما قال : إنهم ولدوا على الفطرة. قال : وأخرجهم كالذر ثم الهمهم حتى قالوا بلى. انتهى ما قاله الجشمي.
الثاني ـ تدل الآية على فساد التقليد في الدين ، وتدل على أنه تعالى أزال العذر ، وأزاح العلة ، وبعدها لا يعذر أحد. ذكره الجشمي.
الثالث ـ استدل بهذه الآية والأحاديث المتقدمة في معناها ، أن معرفته تعالى فطرية ضرورية ، قال تعالى : (قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌ) [إبراهيم : ١٠] ، وقال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥]. (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) [المؤمنون : ٨٦ ـ ٨٧].
وعن عمران بن حصين قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم لأبي : «يا حصين : كم تعبد اليوم إلها؟ قال أبي : سبعة ستا في الأرض ، وواحدا في السماء؟ قال : فأيهم تعدّ لرغبتك ورهبتك؟ قال : الذي في السماء» ـ رواه الترمذي (١) ـ فالله تعالى فطر الخلق كلهم
__________________
(١) أخرجه في : الدعوات ، ٦٩ ـ باب حدثنا أحمد بن منيع.