(يريد : فلم يجبه. وقائله كعب بن سعد الغنوي. والقصيدة في الأصمعيات رقم ١٤).
والمراد بها الطاعة والامتثال. وإنما وحدّ الضمير في قوله (دَعاكُمْ) ـ أي الرسول ـ لأنه هو المباشر للدعوة إلى الله تعالى.
وقال الزمخشري : لأن استجابته صلىاللهعليهوسلم ، كاستجابته تعالى ، وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد. وقوله (لِما يُحْيِيكُمْ) ، قال عروة بن الزبير ـ فيما رواه ابن إسحاق ـ أي للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل ، وقوّاكم بها بعد الضعف ، ومنعكم من عدوّكم بعد القهر منهم لكم. وإنما سمي الجهاد حياة ، لأن في وهن عدوّهم بسببه حياة لهم وقوة ، أو لأنه سبب الشهادة الموجبة للحياة الدائمة ، أو سبب المثوبة الأخروية التي هي معدن الحياة ، كما قال تعالى (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) [العنكبوت : ٦٤] أي الحياة الدائمة ، فيكون مجازا مرسلا ، بإطلاق السبب على المسبب ، أو استعارة. وقيل : (لِما(١) يُحْيِيكُمْ) أي من العلوم الدينية التي هي مناط حياة القلب ، كما أن الجهل موته.
قال الشهاب : وإطلاق الحياة على العلم ، والموت على الجهل ، استعارة معروفة ، ذكرها الأدباء ، وأهل المعاني. وأنشد الزمخشري لبعضهم :
لا تعجبنّ الجهول حلّته |
|
فذاك ميت ، وثوبه كفن |
وقد ألمّ فيه بقول أبي الطيّب ، من قصيدته التي أولها :
أفاضل الناس أغراض لذا الزمن |
|
يخلوا من الهمّ أخلاهم من الفطن |
ومنها :
لا تعجبنّ مضيما حسن بزّته |
|
وهل تروق دفينا جودة الكفن |
والأظهر أن يعنى ب (ما يحييكم) ما يصلحكم من أعمال البر والطاعة. فيدخل فيه ما تقدم وغيره.
تنبيه :
استدل النبيّ صلىاللهعليهوسلم بهذه الآية على وجوب إجابته إذا نادى أحدا وهو في الصلاة. روى البخاري (٢) عن أبي سعيد بن المعلّى رضي الله عنه قال : كنت أصلي ، فمرّ بي
__________________
(١) أخرجه البخاري في : التفسير ، ٨ ـ سورة الأنفال ، ٢ ـ باب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) ، حديث رقم ١٩٦١.