وذلك أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة ، الرجال والنساء ، وهم مشبكون بين أصابعهم ، يصفرون فيها ويصفقون. وكانوا يفعلون ذلك إذا قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم في صلاته ، يخلطون عليه. ما كنت أخشى ، أي : ما كنت أعلم. وأداهم : جمع (أدهم) وهو الأسود من الحيات. والعرب تذكر (الأدهم) وتريد به (القيد) كما في قصة القبعثري. والمحدرجة : السياط. انتهى.
(فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أي اعتقادا وعملا ، وفيه إشعار بأن هذا الفعل المبطل لحرمة البيت ، كفر ، للاستهانة بشعائره تعالى والسخرية بها. والعذاب المذكور هو ما أصابهم يوم بدر من القتل والسبي ، كما قاله غير واحد من السلف ، واختاره ابن جرير.
تنبيه :
قال ابن القيّم في (إغاثة اللهفان) : المتقربون إلى الله بالصفير والتصفيق ، والمخلطون به على أهل الصلاة والذكر والقراءة ، أشباه هؤلاء المشركين قال ابن عرفة وابن الأنباري : المكاء والتصدية ليسا بصلاة ، ولكن الله تعالى أخبر أنهم جعلوا ، مكان الصلاة التي أمروا بها ، المكاء والتصدية. فألزمهم ذلك عظيم الأوزار. وهذا كقولك : زرته فجعل جفائي صلتي ، أي أقام الجفاء مقام الصلة. والمقصود أن المصفقين والصفارين في يراع أو مزمار ، ونحوه ، فيهم شبه من هؤلاء ، ولو أنه مجرد الشبه الظاهر ، فلهم قسط من الذم ، بحسب تشبههم بهم ، وإن لم يتشبهوا بهم في جميع مكائهم وتصديتهم ، والله سبحانه لم يشرع التصفيق (١) للرجال وقت الحاجة إليه في الصلاة إذا نابهم أمر ، بل أمروا بالعدول عنه إلى التسبيح ، لئلا يتشبهوا بالنساء. فكيف إذا فعلوه ، لا لحاجة ، وقرنوا به أنواعا من المعاصي قولا وفعلا. انتهى.
وقال قبله : ومن مكائد عدوّ الله ومصايده التي كاد بها من قلّ نصيبه من العلم والعقل والدين ، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين ، سماع المكاء والتصدية ، والغناء بالآلات المحرمة الذي يصدّ القلوب عن القرآن ، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان.
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الأذان ، ٤٨ ـ باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول ، فتأخر الآخر أو لم يتأخر جازت صلاته ، والحديث رقم ٤٢٩ عن سهل بن سعد الساعدي وهو حديث طويل ، وفيه قوله صلىاللهعليهوسلم «من رابه شيء في صلاته فليسبّح. فإنه إذا سبّح التفت إليه. وإنما التصفيق للنساء».