غلاما حدثا ، فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ، ولبسه إلى ما بين الرسغين إلى الكعبين ، يقول ولبسه : الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس ، وأواري به عورتي. فقيل : هذا شيء ترويه عن نفسك أو عن نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم؟ قال : هذا شيء سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند الكسوة : الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس وأواري به عورتي.
ولما بيّن تعالى ساتر الظاهر وزينته ، أشار إلى ساتر عيوب الباطن وزينته بقوله : (وَلِباسُ التَّقْوى) أي : خشية الله ، أو الإيمان ، أو السمت الحسن ، والكل متقارب ، ورفعة بالابتداء ، خبره جملة (ذلِكَ خَيْرٌ) أو خير ، وذلك صفته ، كأنه قيل : ولباس التقوى المشار إليه خير.
قال المهايمي : لأن الظاهر محل نظر الخلق ، والباطن محل نظر الحق والعيوب الباطنة أفحش من العورات الظاهرة. وقال القاشانيّ : لباس التقوى صفة الورع والحذر من صفة النفس ، ذلك خير لأنه من جملة أركان الشرائع ، لأنه أصل الدين وأساسه ، كالحمية في العلاج ـ انتهى ـ.
قال أبو علي الفارسي : معنى الآية : ولباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به ، وأقرب له إلى الله تعالى ، مما خلق من اللباس والرياش الذي يتجمل به. قال : وأضيف اللباس إلى التقوى ، كما أضيف إلى الجوع في قوله : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) [النحل : ١١٢]. ـ انتهى ـ.
أي : فهو استعارة مكنية وتخييلية بأن يتوهم للتقوى حالة شبيهة باللباس ، تشتمل على جميع بدنه ، بحسب الورع والخشية من الله ، اشتمال اللباس على اللابس ، أو من قبيل (لجين الماء). وقرأ نافع وابن عامر والكسائي (وَلِباسُ التَّقْوى) بالنصب ، عطفا على (لِباساً).
(ذلِكَ) أي إنزال اللباس (مِنْ آياتِ اللهِ) الدالة على فضله ورحمته على عباده (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي : نعمته عليهم فيعرفون عظمتها فيشكرونها.
قال الزمخشري : وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدوّ السوآت ، وخصف الأوراق عليها ، إظهارا للمنة فيما خلق من اللباس ، ولما في العري ، وكشف العورة من المهانة والفضيحة ، وإشعارا بأن التستر باب عظيم من أبواب التقوى.