بالفاء. و (يُنْفِقُونَ) إما حال ، أو بدل من (كَفَرُوا) وفي تضمن الجزاء من معنى الإعلام والإخبار ، التوبيخ على الإنفاق ، والإنكار عليه ، كما في قوله : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣]. وفي تكرير الإنفاق في شبه الشرط والجزاء ، الدلالة على كمال سوء الإنفاق ، كما في قوله : (إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) [آل عمران : ١٩٢]. وقولهم : من أدرك الصّمّان. فقد أدرك المرعى. والمعنى : الذين ينفقون أموالهم لإطفاء نور الله ، والصدّ عن اتباع رسوله صلىاللهعليهوسلم ، سيعلمون عن قريب سوء مغبة ذلك الإنفاق ، وانقلابه إلى أشد الخسران ، من القتل والأسر في الدنيا ، والنكال في العقبي : قال المتنبي :
إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى |
|
فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا |
(والأذى هنا المنّ)
وفي جعل ذات الأموال تصير (حَسْرَةً) أي ندما وتأسفا ـ وهي عاقبة أمرها ـ مبالغة. والمراد بالغلبة في قوله : (ثُمَّ يُغْلَبُونَ) الغلبة التي استقر عليها الأمر ، وإن كانت الحرب بينهم سجالا قبل ذلك. فإن قلت : غلبة المسلمين متقدمة على تحسرهم ، بالزمان ، فلم أخرت بالذكر؟ قلت : المراد أنهم يغلبون في مواطن أخر بعد ذلك. كذا في (العناية).
تنبيه :
قال بعضهم ثمرة الآية خطر المعاونة على معصية الله تعالى ، وأن الإنفاق في ذلك معصية ، فيدخل في هذا معاونة الظلمة على حركاتهم في البغي والظلم ، وكذلك بيع السلاح والكراع ، ممن يستعين بذلك على حرب المسلمين.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٣٧)
(لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) أي الكافر من المؤمن ، أو الفساد من الصلاح.
واللام متعلقة ب (يُحْشَرُونَ) أو (يُغْلَبُونَ). أو ما أنفقه المشركون في عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. مما أنفقه المسلمون في نصرته ، واللام متعلقة بقوله (ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) ، (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ)