ثم إن الذين أثبتوا ميراثهم اختلفوا في أنهم هل يرثون بالقرب ، أو بالتنزيل ، وهل يرث القريب مع البعيد ، وهل يفضل الذكر على الأنثى أو لا؟ والآية محتملة. أفاده بعض مفسري الزيدية.
قال ابن كثير : ليس المراد بقوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) خصوصية ما يطلقه علماء الفرائض على القرابة الذين لا فرض لهم ولا عصبة ، بل يدلون بوارث كالخالة والخال ، والعمة وأولاد البنات وأولاد الأخوات ونحوهم ، كما يزعمه بعضهم ، ويحتج بالآية ، ويعتقد ذلك صريحا في المسألة. بل الحق أن الآية عامة ، تشمل جميع القرابات ؛ كما نص عليه ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة وغير واحد وعلى هذا فتشمل ذوي الأرحام بالاسم الخاص ، ومن لم يورّثهم يحتج بأدلة ، من أقواها حديث (١) : (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) قالوا : فلو كان ذا حق لكان ذا فرض في كتاب الله مسمى ، فلما لم يكن كذلك ، لم يكن وارثا. انتهى.
ولا يخفى ضعف هذا الاستدلال ، إذ لا يلزم من ثبوت الحق تعيين الفرض. على أن معنى الحديث ، أعطى كل ذي حق حقه مفصلا ومجملا ، وقد أعطاهم حق الأولوية العامة ، ووكل بيان ما يفهم من إجمال الإرث بعمومها لاستنباط الراسخين وفهمهم على قاعدة عمومات التنزيل.
وقد رأيت في هذه المسألة مقالة بديعة أوردها الحسن الصابئ في (تاريخ الوزراء) في أخبار وزارة أبي الحسن بن الفرات ، نأثرها هنا ، لأنها جمعت فأوعت ، قال رحمهالله :
ونسخة ما كتب به أبو خازم إلى بدر المعتضدي جواب كتابة إليه في أمر المواريث : وصل كتاب الأمير ، يذكر أنه احتيج إلى كتابي بالذي أراه واجبا من مال المواريث لبيت المال ، ومالا أراه واجبا منه ، وتلخيص ذلك وتبيينه ـ وأنا أذكر للأمير الذي حضرني من الجواب في هذه المسألة والحجة فيما سأل عنه ليقف على ذلك إن شاء الله ـ.
الناس مختلفون في توريث الأقارب ، فروي عن زيد بن ثابت أنه جعل التركة ـ إذا لم يكن للمتوفى من يرثه من عصبة وذي سهم ـ لجماعة من المسلمين وبيت
__________________
(١) أخرجه أبو داود في : الوصايا ، ٦ ـ باب ما جاء في الوصية للوارث ، حديث رقم ٢٨٧٠.