والمرويّ عن زيد بن ثابت أنه جعل الفضل عن سهام الفرائض ، وكل المال ، إذا سقطت السهام بعد أهلها ، لجماعة المسلمين. فجعلهم كلهم وارثا ، وجعل ما يصير لهم من ذلك ـ في خلاف مال الفيء المصروف إلى الشحنة وأرزاق المقاتلة وإلى المصالح إذا كان ذلك ـ يكون فبما روي عنه للناس كافة ، وعددهم لا يحصى ، فغير ممكن أن يقسم ذلك فيهم وهم متفرقون في أقطار الأرض ، مشارقها ومغاربها. وإذا امتنع ذلك وخرج إلى ما ليس بممكن ، فسد وثبت ما قلناه من قول أكابر الأئمة ، وقد تأول بعض المتأولين قوله الله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) فقال فيه : كان الناس يتوارثون بالحلف دون القرابة. فلما أوجب الله المواريث لأهلها من الأقارب ، منع الحليف بما فرض من السهمان فغلطوا وصرفوا حكم الآية إلى الخصوص ، فذلك غير واجب مع عدم الدليل ، لأن مخرجها في السمع مخرج العموم.
وبعد ، فلو كان تأويلها ما ذهبوا إليه ، وكانت السهام التي نسخت ما يرثه الحليف قبل نزول الفرائض ، لوجب في بدء ، وما قالوا إذا كان لا وارث للميت من أصحاب السهام أن يكون الحليفان في التوارث على أول فرضهما ، وعلى المقدم من حكمها ، لأن الذي منعهما إذا ثبت هذا التأويل (من له سهم) دون (من لا سهم له) ، فإذا ارتفع المانع ، رجع الحكم إلى بدئه. ولا اختلاف بين الفريقين أن الحليف لا يرث الحليف اليوم ، وإن كان لا وارث سواه ، وهذا يدل على فساد تأويلهم ، وعلى أن المراد في الآية التي أوجبت الحق للأقارب غير الذي ذهبوا إليه ، فإن الله سبحانه إنما أراد بمعناها اختصاص القريب بالإرث دون البعيد. وقد يلزم من ذهب إلى الرواية عن زيد ، وترك الرواية عن عمر وعليّ وعبد الله عليهمالسلام جانبا ، وأسقط التعاقل بين الأجنبي والقريب ، أن يجعل ذا الرحم أولى ، لأنه لا يفضل الأجنبي بالقرابة. وترتيب المواريث في الأصل يجري على من تقدمه من فضل غيره في المناسبة ، كالأخ للأب والأم ، والأخ للأب ، وابن العم للأب والأم ، وابن العم للأب ، واختصاصهما قرابة أولاهما بالميراث عند جمع الجميع. قال الله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء : ١١] ، وولد الولد ، من سفل منهم ومن ارتفع ، يعمهم هذا الاسم ، إلا أن الأقرب منهم ، في معنى الآية ، أحق من الأبعد. فإذا كان ذلك كذلك ، كان القريب أولى من الأجنبي بالتركة للرحم التي تقرّب بها دونه.
وبعد ، فإن العلماء نفر يسير لا يعرفون الصواب في هذه المسألة ، إلا فيما روي عن الخليفتين عمر وعليّ صلوات الله عليهما ، وما روي عن ابن مسعود ، ثم لم