غدر به ولا خيانة ، ولذا ورد في الترهيب من عدم الوفاء بالعهد والغدر ما يزجر أشد الزجر. فروى البخاري في (تاريخه) والنسائي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «من أمّن رجلا على دمه فقتله ، فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرا».
وروى أحمد والشيخان (١) عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة.
قال ابن كثير : من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام ، في أداء رسالة أو تجارة ، أو طلب صلح أو مهادنة ، أو حمل جزية ، أو نحو ذلك من الأسباب ، وطلب من الإمام أو نائبه أمانا أعطي ، ما دام مترددا في دار الإسلام ، إلى أن يرجع إلى مأمنه ووطنه.
قال الحاكم : وإنما يجار ويؤمّن إذا لم يعلم أنه يطلب الخداع والمكر ، لأنه تعالى علل لزوم الإجارة بقوله (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ).
الثاني ـ قال الحاكم : تدل الآية على أنه يجوز للكافر دخول المسجد لسماع كلام الله.
الثالث ـ استدل بهذه الآية من ذهب إلى كلام الله بحرف وصوت قديمين ، وهم الحنابلة ، ومن وافقهم كالعضد. قالوا : لأن منطوق الآية يدل على أن كلام الله يسمعه الكافر والمؤمن والزنديق والصديق ، والذي يسمعه جمهور الخلق ليس إلا هذه الحروف والأصوات. فدل ذلك على أن كلام الله ليس هذه الحروف والأصوات. والقول بأن كلام الله شيء مغاير لها باطل ، لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما كان يشير بقوله (كلام الله) إلا لها ، وقد اعترف الرازي بقوة هذا ، لإلزام من خالف فيه ، وقد مضى لنا في قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤] في آخر سورة النساء ، فارجع إليه.
الرابع ـ قال الرازي : دلت الآية على أن التقليد غير كاف في الدين ، وأنه لا بد من النظر والاستدلال ، وذلك لأنه لو كان التقليد كافيا ، لوجب أن لا يمهل هذا الكافر ، بل يقال له : إما أن تؤمن ، وإما أن نقتلك. فلما لم يقل له ذلك ، بل أمهل وأزيل الخوف عنه ، ووجب تبليغه مأمنه ـ علم أن ذلك لأجل عدم كفاية التقليد في الدين ، وأنه لا بد من الحجة والدليل ، فلذا أمهل ليحصل له النظر والاستدلال.
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الجزية والموادعة ، ٢٢ ـ باب إثم الغادر للبر والفاجر ، حديث رقم ١٥٠٤.
وأخرجه مسلم في : الجهاد والسير ، حديث رقم ١٤.