في العموم (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) أي بعد حج عامهم هذا ، وهو عام تسع من الهجرة ، حين أمّر أبو بكر على الموسم ، وتقدم لنا أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أتبع أبا بكر بعليّ رضي الله عنهما ، لينادي في المشركين : ألا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان. فأتم الله ذلك ، وحكم به شرعا وقدرا (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) أي فقرا بسبب منعهم من الحرم ، لانقطاع أرفاق كانت لكم من قدومهم (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ) أي من فتح البلاد ، وحصول المغانم ، وأخذ الجزية ، وتوجه الناس من أقطار الأرض. قال ابن إسحاق : إن الناس قالوا : لتقطعنّ عنا الأسواق ، فلتهلكنّ التجارة ، وليذهبنّ ما كنا نصيب فيها من المرافق ، فقال الله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ...) إلى قوله (وَهُمْ صاغِرُونَ) أي هذا عوض ما تخوفتم من قطع تلك الأسواق ، فعوضهم الله مما قطع عنهم بأمر الشرك ، ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب من الجزية. انتهى. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) أي بما يصلحكم (حَكِيمٌ) أي فيما يأمر به وينهي عنه.
تنبيهات :
الأول ـ دلت الآية على نجاسة المشرك ، كما في الصحيح (١)(المؤمن لا ينجس) وأما نجاسة بدنه ، فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات ، لأن الله تعالى أحلّ طعام أهل الكتاب. وذهب بعض الظاهرية إلى نجاسة أبدانهم. وقال أشعث عن الحسن : من صافحهم فليتوضأ ، رواه ابن جرير ، ونقله ابن كثير.
وأقول : الاستدلال بكونه تعالى أحلّ طعام أهل الكتاب غير ناهض ، لأن البحث في المشركين وقاعدة التنزيل الكريم ، التفرقة بينهم وبين أهل الكتاب ، فلا يتناول أحدهما الآخر فيه.
وقال بعض المفسرين اليمنيين : مذهب القاسم والهادي وغيرهما ؛ أن الكافر نجس العين ، آخذا بظاهر الآية ، لأنه الحقيقة ويؤيد ذلك حديث (٢) أبي ثعلبة الخشني فإنه قال للنبيّ صلىاللهعليهوسلم إنا نأتى أرض أهل الكتاب فنسألهم آنيتهم ، فقال صلىاللهعليهوسلم : اغسلوها ثم اطبخوا فيها.
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الغسل ، ٢٤ ـ باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره ، حديث رقم ٢٠٤ ، عن أبي هريرة.
وأخرجه مسلم في : الحيض ، حديث رقم ١١٥ م.
(٢) أخرجه البخاري في : الذبائح والصيد ، ٤ ـ باب صيد القوس ، حديث رقم ٢١٩٨.
وأخرجه مسلم في : الصيد والذبائح ، حديث رقم ٨.