الثالث ـ في الآية رد على من تورّع من أكل المستلذات ولبس الملابس الرقيقة ، لأنه لا زهد في ترك الطيب منها ، ولهذا جاءت الآية معنونة بالاستفهام المتضمن للإنكار على من حرم ذلك على نفسه ، أو حرّمه على غيره. وما أحسن ما قال ابن جرير الطبري : لقد أخطأ من آثر لباس الشعر والصوف ، على لباس القطن والكتان ، مع وجود السبيل إليه من حله ، ومن أكل البقول والعدس ، واختاره على خبز البرّ ، ومن ترك أكل اللحم خوفا من عارض الشهوة ـ انتهى ـ.
الرابع ـ قال ابن الفرس : واستدل بالآية من أجاز لبس الحرير والخزّ للرجال. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سنان بن سلمة أنه كان يلبس الخزّ ، فقال له الناس : مثلك يلبس هذا؟ فقال لهم : من ذا الذي يحرم زينة الله التي أخرج لعباده؟ ولكن أخرج عن طاوس أنه قرأ هذه الآية وقال : لم يأمرهم بالحرير ولا الديباج ، ولكنه كانوا إذا طاف أحدهم وعليه ثيابه ضرب وانتزعت عنه. كذا في (الإكليل).
أقول : عدم شمول الآية للحرير غنيّ عن البيان ، لأن ما خصه الدليل لا يتناوله العامّ. والأحاديث في تحريم الحرير لا تحصى كثرة ، فاستنباط حلّه منها مردود على زاعمه.
(قُلْ هِيَ) أي زينة الله والطيبات ، مخلوقة (لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالأصالة ، والكفرة وإن شاركوهم فيها فتبع (خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي : لا يشاركهم فيها غيرهم ، لأن الله حرم الجنة على الكافرين. وانتصابها على الحالية ، وقرئ بالرفع ، أي على أنه خبر بعد خبر.
لطيفة :
قال المهايمي : إنما خلقت للمؤمنين ليعلموا بها لذّات الآخرة ، فيرغبوا فيها مزيد رغبة ، لكن شاركهم الكفرة فيها لئلا يكون هذا الفرق ملجئا لهم إلى الإيمان. فإذا ذهب هذا المعنى ، تصير خالصة لهم يوم القيامة ، فلو حرمت على المؤمنين لكانت مخلوقة للكافرين ، وهو خلاف مقتضى الحكمة. وإن خلقت للمؤمنين فأولى أوقات الانتفاع بها وقت جريانهم على مقتضى الإيمان ، وهو العبادة والتقوى ، ولكن من غير انهماك في الشهوات.
(كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي الحكمة في خلق الأشياء ، واستعمال الأشياء على نهج ينفع ولا يضر. فإن زعموا أنه يخاف من التزين والتلذذ الوقوع في