الشك ، للتنبيه على أن إتيان الرسل أمر جائر غير واجب. وضمت إليها (ما) لتأكيد معنى الشرط ، ولذلك أكد فعلها بالنون الثقيلة أو الخفيفة. والمراد ببني آدم جميع الأمم ، وهو حكاية لما وقع مع كل قوم. وليس المراد بالرسل نبينا صلىاللهعليهوسلم وببني آدم أمته ، كما قيل ، فإنه خلاف الظاهر ـ كذا في (القاضي وحواشيه) ـ وجواب الشرط قوله تعالى (فَمَنِ اتَّقى) أي التكذيب (وَأَصْلَحَ) أي عمله (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من العذاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) في الآخرة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٣٦)
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا) أي تكبروا (عَنْها) فلم يؤمنوا بها (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) :
تنبيه :
قال الجشمي : تدل الآية على وجوب اتباع الرسل ، وقبول ما يؤدون. وتدل على أن الصلاح في الرسل أن تكون من جملة من بعث إليهم ، لأنهم يكونون بطريقته أعرف ، ومن النفار عنه أبعد ، وإلى السكون إليه أقرب ، وتدل على أن الغرض بالرسول ما يؤدي من الأدلة ، فلذلك قلنا لا يجوز أن يكون رسولا إلا ومعه ما يؤديه : وتدل على أن الجنة تنال بشيئين : بالأعمال الصالحة ، واتقاء المعاصي ، فبطل قول المرجئة. وتدل على أن المؤمن في الآخرة لا يخاف ولا يحزن ، خلاف ما يقوله الأحسدية (كذا) والحشوية ـ هكذا قاله أكثر أصحابنا ـ.
وقال أبو بكر أحمد بن عليّ : قوله (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) كقول الطبيب للمريض (لا بأس عليك) يعني أن أمره يؤول إلى العافية. وليس هذا بالوجه لأنه نفى الخوف والحزن مطلقا. وتدل على الوعيد للمكذبين ، كما تدل على الوعيد للمطيعين ، ترغيبا وترهيبا. وتدل على أن التقوى والصلاح والتكذيب فعل العبد ، فبطل قولهم في المخلوق والاستطاعة. انتهى كلامه رحمهالله.
ثم ذكر تعالى وعيد المكذبين الذين تقدم ذكرهم ، بقوله سبحانه :