القول في تأويل قوله تعالى :
(وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) (٤٨)
(وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً) يعني من عظماء أهل الضلالة (يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ) أي : التي تدل على أعيانهم ، وإن تغيرت صورهم (قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ) أي : كثرتكم أو جمعكم للأموال التي تدفع بها الآفات (وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) عن الحق ، أو على الخلق. وقرئ (تستكثرون) من الكثرة ، أي : من الأتباع الذين يستعان بهم في دفع الملمات.
قال ابن القيّم : يعني ما نفعكم جمعكم وعشيرتكم وتجرؤكم على الحق ولا استكباركم.
وهذا إما نفي وإما استفهام وتوبيخ ، وهو أبلغ وأفحم. ثم نظروا إلى الجنة فرأوا من الضعفاء الذين كان الكفار يسترذلونهم في الدنيا ، ويزعمون أن الله لا يختصهم دونهم في الدنيا ، فيقول لهم أهل الأعراف.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (٤٩)
(أَهؤُلاءِ) الضعفاء من المؤمنين (الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) برفع درجاتهم في الآخرة ، فها هم في الجنة يتمتعون ويتنعمون ، وفي رياضها يحبرون. وقوله تعالى : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) أي : لا خوف عليكم من العذاب النازل بالكفار ، ولا تحزنون كحزن الكفار على فوات النعيم ، وهذا إما من قول أصحاب الأعراف ، يتآمرون بينهم بدخول الجنة بعد تبكيت أهل النار ، فيقول بعضهم لبعض : ادخلوا الجنة ، وإما من كلام أهل الأعراف للمؤمنين ، أي يقولون لهم : أدخلوا الجنة ، أو من تتمة مخاطبة أهل الأعراف للرجال ، كأنه قيل لهم : أنظروا إلى هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمته ، كيف نالوها ، حيث قيل من قبله تعالى : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ). وعلى كلّ فالجملة مبنية على قول محذوف إيجازا ، للعلم به.