صدّ عن الحق. واللعب : كل أمر باطل. أي : ليس دينهم في الحقيقة إلا ذلك ، إذ هو دأبهم وديدنهم (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) بزخارفها العاجلة ، فلم يعملوا (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ) أي : نتركهم ترك المنسيّ ، فلا نرحمهم بما نرحم به من عمل للآخرة (كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) أي : كما فعلوا بلقائه ، فعل الناسين ، فلم يخطروه ببالهم ، ولم يهتموا به.
لطيفة :
قال الشهاب : (نَنْساهُمْ) تمثيل. شبه معاملته تعالى مع هؤلاء بالمعاملة مع من لا يعتدّ به ، ويلتفت إليه ، فينسى. لأن النسيان لا يجوز على الله تعالى ، أي لأنه تعالى لا يشذ عن علمه شيء ، كما قال : (فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) [طه : ٥٢] والنسيان يستعمل بمعنى الترك كثير في لسان العرب. ويصح هنا أيضا ، فيكون استعارة تحقيقية ، أو مجازا مرسلا ، وكذا نسيانهم لقاء الله أيضا ، لأنهم لم يكونوا ذاكري الله حتى ينسوه ، فشبه عدم إخطارهم لقاء الله والقيامة ببالهم ، وقلة مبالاتهم ـ بحال من عرف شيئا ، ثم نسيه. وليست الكاف للتشبيه ، بل للتعليل ، ولا مانع من التشبيه أيضا ـ انتهى ـ.
وقال تعالى : (وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) أي وكما كانوا منكرين أنها من عند الله تعالى. روى الترمذي (١) عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يؤتى بالعبد يوم القيامة ، فيقول الله : ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا ، وسخرت لك الأنعام والحرث ، وتركتك ترأس وتربع ، فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا؟ قال فيقول : لا! فيقول له : اليوم أنساك كما نسيتني».
وفي حديث أبي هريرة عند مسلم (٢) : «فيلقى العبد ربه ، فيقول : أي فل! ألم
__________________
(١) أخرجه الترمذي في : القيامة ، ٦ ـ باب منه ، حدثنا سويد بن نصر.
(٢) أخرجه مسلم في : الزهد والرقاق ، حديث ١٦ ونصه : عن أبي هريرة قال : قالوا : يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال «هل تضارّون في رؤية الشمس في الظهيرة ، ليست في سحابة»؟ قالوا : لا. قال «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر ، ليس في سحابة»؟ قالوا : لا. قال «فو الذي نفسي بيده! لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما. قال فيلقى العبد ، فيقول : أي فل! ألم أكرمك وأسوّدك ، وأزوجك ، وأسخّر لك الخيل والإبل. وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول : بلى. قال أظننت أنك ملاقيّ؟ فيقول : لا. فيقول : فإني أنساك كما نسيتني. ثم يلقى الثاني فيقول : أيّ فل! ألم أكرمك ، وأسودك ، وأزوجك ، وأسخّر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول : بلى. أيّ ربّ! فيقول : أفظننت أنك ملاقيّ؟ فيقول : لا. فيقول : فإني أنساك كما نسيتني. ثم يلقى ـ