أنكرتم ذلك؟ إن الله سبحانه على العرش ، وقد قال سبحانه (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥] ، وقال : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ، الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٥٩] ، قالوا : هو تحت الأرضين السابعة كما هو على العرش ، فهو على العرش ، وفي السموات ، وفي الأرض ، وفي كل مكان ، لا يخلو منه مكان ، ولا يكون في مكان دون مكان. وتلوا آيات من القرآن (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) [الأنعام : ٣] ، فقلنا : قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ، وليس فيها من عظمة الله شيء ، فقالوا : أي مكان؟ فقلنا : أحشاؤكم وأجواف الخنازير والحشوش والأماكن القذرة ليس فيها من عظمة الرب سبحانه شيء ، وقد أخبرنا أنه في السماء ، فقال سبحانه : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ ...) [الملك : ١٦] الآية ، وقال : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر : ١٠] ، وقال (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ) [الأنبياء : ١٩] ، وقال : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) [آل عمران : ٥٥] ، وقال : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) [النساء : ١٥٨] ، وقال : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النحل : ٥٠] ، وقال : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) [المعارج : ٤] ، وقال : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [الأنعام : ١٨] ـ فهذا أخبر الله أنه في السماء ، ووجدنا كل شيء أسفل مذموما. قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء : ١٤٥]. (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) [فصلت : ٢٩] ، وقلنا لهم : أليس تعلمون أن إبليس كان مكانه ، والشياطين مكانهم؟ فلم يكن الله ليجتمع هو وإبليس ، ولكن إنما معنى قوله تبارك وتعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) [الأنعام : ٣] يقول : هو إله من في السموات ، وإله من في الأرض ، وهو على العرش! وقد أحاط بعلمه ما دون العرش ، لا يخلو من علم الله مكان ، ولا يكون علم الله في مكان دون مكان ، وذلك قوله : (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) [الطلاق : ١٢].
قال : ومن الاعتبار في ذلك : لو أن رجلا كان في يده قدح من قوارير صاف ، وفيه شيء ، كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح ، فالله سبحانه ـ وله المثل الأعلى ـ قد أحاط بجميع خلقه ، من غير أن يكون في شيء من خلقه. وخصلة أخرى : لو أن رجلا بني دارا بجميع مرافقها ، ثم أغلق بابها وخرج منها ، كان ابن آدم لا يخفى عليه كم بيتا في داره ، وكم سعة كل بيت ، من غير أن يكون صاحب الدار في جوف الدار. فالله سبحانه ـ وله المثل الأعلى ـ قد أحاط