الغزالي وغيرهم ، وهي بعينها التأويلات التي ذكرها بشر المريسي في كتابه. وإن كان قد يوجد في كلام هؤلاء رد التأويل وإبطاله أيضا ، ولهم كلام حسن في أشياء ، فإنما بيّنت أن عين تأويلاتهم هي عين تأويلات المريسي. وعلمنا ذلك بكتاب (الرد) الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي أحد الأئمة المشاهير في زمن البخاري ، صنف كتابا سماه (نقض عثمان بن سعيد ، على الكاذب العنيد ، فيما افترى على الله في التوحيد) حكى فيه هذه التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي ، بكلام يقتضي أن المريسي أقعد بها ، وأعلم بالمعقول والمنقول من هؤلاء المتأخرين الذين اتصلت إليهم من جهته ، ثم ردها عثمان بن سعيد بكلام ، إذا طالعه العاقل الذكيّ ، علم حقيقة ما كان عليه السلف فتبين له ظهور الحجة لطريقهم ، وضعف حجة من خالفهم. ثم إذا رأى الأئمة ـ أئمة الهدى ـ قد أجمعوا على ذم المريسية ، وأكثرهم كفّروهم ، أو ضللوهم ، وعلم أن هذا القول الساري في هؤلاء المتأخرين ، هو مذهب المريسي ـ تبين له الهدى لمن يريد الله هدايته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم قال رضي الله عنه :
ومذهب السلف بين التعطيل وبين التمثيل ، فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه ، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه ، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله ، فيعطلون أسماءه الحسنى ، وصفاته العليا ، ويحرفون الكلم عن مواضعه ، ويلحدون في أسماء الله وآياته. وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل ، فهو جامع بين التعطيل والتمثيل ، أما المعطلون ، فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق. ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات ، فقد جمعوا بين التمثيل والتعطيل ، مثلوا أولا ، وعطلوا آخرا ، وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته ، بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم ، وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة بالله سبحانه وتعالى. فإنه إذا قال القائل : لو كان الله فوق العرش للزم إما أن يكون أكبر من العرش أو أصغر أو مساويا ، وكل ذلك محال ، ونحو ذلك من الكلام ، فإنه لم يفهم من كون الله على العرش إلا ما يثبت لأي جسم كان ، على أي جسم كان ، وهذا اللازم تابع لهذا المفهوم ، أما استواء يليق بجلال الله ، ويختص به ، فلا يلزمه شيء من اللوازم الثلاثة ، كما يلزم سائر الأجسام. وصار هذا مثل قول الممثل : إذا كان للعالم صانع ، فإما أن يكون جوهرا أو عرضا ، إذ لا يعقل موجود إلا هذان. أو قوله : إذا كان مستويا على العرش ، فهو مماثل لاستواء الإنسان على السرير أو الفلك ، إذ لا يعلم الاستواء إلا هكذا. فإن كليهما مثّل ، وكلاهما عطّل