يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك. أين ملوك الأرض؟» وفي الصحيحين (١) عن عبد الله بن عمر ، عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : «يطوي الله عزوجل السماوات يوم القيامة ، ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك. أين الجبارون ، أين المتكبرون؟» ثم يطوي الأرضين بشماله ، ثم يقول : أنا الملك. أين الجبارون ، أين المتكبرون؟» وفي لفظ (٢) : ويتميل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على يمينه وعلى شماله ، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفله شيء.
وفي رواية أخرى قال : قرأ على المنبر (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ... الآية ـ قال : مطويّة في كفه ، يرمي بها كما يرمي الغلام بالكرة ، ففي هذه الأحاديث وغيرها ، المتفق على صحتها ، ما يبيّن أن السماوات والأرض وما بينهما بالنسبة إلى عظمته عزوجل ، أصغر من أن تكون ، مع قبضه لها ، إلا كالشيء الصغير في يد أحدنا ، حتى يدحوها كما تدحى الكرة.
ثم قال في الجواب : فما وصف الله تعالى من نفسه وأسمائه على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم سميناه كما سماه ، ولم نتكلف علم ما سواه ، فلا نجحد ما وصف ، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف. وإذ كان كذلك ، فهو قادر على أن يقبضها ويدحوها كالكرة. في ذلك من الإحاطة بها ما لا يخفى ، وإن شاء لم يفعل .. وبكل حال فهو مباين لها ، ليس بمجانب لها. ومن المعلوم أن الواحد منا ـ ولله المثل الأعلى ـ إذا كان عنده خردلة ، إن شاء قبضها ، فأحاطت بها قبضته ، وإن شاء لم يقبضها ، بل جعلها تحته ، فهو في الحالين مباين لها ، وسواء قدر أن العرش هو محيط بالمخلوقات ، كإحاطة الكرة بما فيها أم قيل إنه فوقها وليس محيطا بها كوجه الأرض الذي نحن عليها بالنسبة إلى جوفها ، وكالقبة بالنسبة إلى ما تحتها ، أو غير ذلك ـ فعلى التقدير يكون العرش فوق المخلوقات ، والخالق سبحانه فوقه ، والعبد في توجهه إليه عزوجل ، يقصد العلوّ ، دون التحت.
وتمام هذا البحث بأن يقال : لا يخلو إما أن يكون العرش كريا كالأفلاك ،
__________________
(١) أخرجه البخاري في : التوحيد ، ١٩ ـ باب قوله تعالى : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) ، حديث رقم ٢٦٠٠.
وأخرجه مسلم في : صفات المنافقين وأحكامهم ، حديث ٢٤ و ٢٥. وهذا لفظ مسلم.
(٢) نصه في مسلم : حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفله شيء منه ، حتى إني لأقول : أساقط هو برسول الله؟ وليس فيه (ويتميل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على يمينه وعلى شماله).