كان جاهلا باتفاق العقلاء ، فكيف بالتوجه إلى العرش أو إلى ما فوقه! وغاية ما يقدر أن يكون كريّ الشكل ، والله تعالى محيط بالمخلوقات كلها إحاطة تليق بجلاله ، فإن السماوات السبع والأرض في يده أصغر من الحمصة في يد أحدنا. وأما قول القائل : إذا كان كريّا ، والله من ورائه محيط بائن عنه ، فما الفائدة في التوجه إلى العلوّ دون التحت ، ومع هذا نجد في قلوبنا قصد العلوّ؟ فيقال : هذا إنما ورد لتوهم أن نصف الفلك يكون تحت الأرض ، وتحت ما على وجه الأرض ، من الآدميين والبهائم ، وهذا غلط. فلو كان الفلك تحت الأرض من جهة ، لكان تحتها من كل جهة ، فكان يلزم أن يكون الفلك تحت الأرض مطلقا ، وهذا قلب للحقائق إذ الفلك هو فوق الأرض مطلقا ، وأهل الهيئة يقولون : لو أن الأرض مخروقة إلى ناحية أرجلنا ، وألقي في الخرق شيء ثقيل كالحجر ونحوه ، لكان ينتهى إلى المركز ، حتى لو ألقي من تلك الناحية حجر آخر ، لالتقيا جميعا في المركز ، الذي هو النقطة المتوسطة في كرة الأرض. ولو قدر أن إنسانين التقيا في المركز بدل الحجر ، لالتقت رجلاهما ، ولم يكن أحدهما تحت الآخر ، بل كلاهما فوق المركز ، وكلاهما تحت الفلك. وإذا كان مطلوب أحد ما فوق الفلك لم يطلبه إلا من الجهة العليا ، لأن مطلوبه من تلك الجهة أقرب ، لأنه لو قدر أن رجلا أو ملكا يصعد إلى السماء ، كان صعوده مما يلي رأسه ، ولا يقول عاقل إنه يخرق الأرض ثم يصعد من تلك الناحية ، أو يذهب يمينا أو شمالا ثم يصعد.
ولو أن رجلا أراد مخاطبة القمر ، فإنه لا يخاطبه إلا من الجهة العليا ، مع أنه قد يشرق ويغرب ، فكيف بما هو فوق كل شيء لا يأفل ولا يغيب سبحانه وتعالى. وكما أن حركة الحجر تطلب مركزها بأقصر طريق ، وهو الخط المستقيم ، فالطلب الإرادي الذي يقوم بقلوب العباد ، كيف يعدل عن الصراط المستقيم؟.
مطلب في حديث الإدلاء
إلى أن قال :
وحدث الإدلاء ، الذي رواه أبو هريرة وأبو ذر ، قد رواه الترمذي وغيره (١) من
__________________
(١) رواه الترمذي في : التفسير ، ٥٧ ـ سورة الحديد ، ونصه : عن قتادة ، حدثنا الحسن عن أبي هريرة قال : بينما نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب. فقال نبي الله صلىاللهعليهوسلم «هل تدرون ما هذا»؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم. قال «هذا العنان ، هذه روايا الأرض ، يسوقه الله تبارك وتعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه» قال «هل تدرون ما فوقكم»؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال «فإنها الرقيع ، سقف محفوظ وموج مكفوف» ثم قال «هل تدرون كم بينكم وبينها»؟ قالوا : الله ـ