بحث عرفاني
تقدم أنّ الله جلّ جلاله محيط بما سواه إحاطة واقعية قيوميّة بالقدرة التامة والحكمة البالغة والعلم الأكمل الأتم لا يعزب عنه شيء في السّموات ولا في الأرض ، ومن أهم جهات إحاطته السلطة على كلّ ما يضاف إليه عزوجل ولا يعقل بينونة عزلة له مع خلقه.
فسبيل الله تعالى لا بد أن يرجع إلى علمه وحكمته وهما عين ذاته الأقدس بالوجود العلمي الواقعي ، وإن كان بالوجود الخارجي قتل العدو أو الظالم أو المنافق أو الكافر ، وإماطة الأذى عن طريق العابر فإنّ كلّ ذلك من سبيله عزوجل بالوجود العلمي وإن كان فعلا خارجيا للعبد والجزاء على ذلك كلّه من شؤون ذاته المقدّسة لأنّه يرجع إلى رحمته وهي من صفات الذات وكيف تعقل غفلته تعالى عن ذلك لا سيّما في مثل هذه الحياة التي لا يمكن درك حقيقتها ، واستقراض هذا الحيّ القيوم والقبض والبسط بالنسبة إليه.
وكذا جميع ما يتعلق به من أهم جهات رحمته وحنانه وحكمته وكل ذلك من صفات الذات وجامعيته لتلك الكمالات غير المتناهية فلا بد أن يكون المتوجه إلى الله تعالى متوجها إلى هذه الجهات ، فإنّه لا يفني نفسه بالقتال ولا ينعدم عنه المال بل يتحوّل في جميع ذلك إلى أحسن الأحوال وينكشف عنه الغطاء ويرى ذلك في الحال والمال. وقد أخبر سبحانه وتعالى أنّ الكلّ يرجع إليه بجميع شؤونه وحيثياته لفرض كون مبدإ عملهم منه وهو تعالى هو المبدئ المعيد فلا بد في قوس الصعود من رجوع الشيء إلى مبدئه.