قوله تعالى : (إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ).
المراد ببعث الملك : إقامته فيهم وإمارته عليهم. أي : طلبوا من نبيّ لهم أن يقيم فيهم ملكا وأميرا تصدر الناس عن رأيه في السلم والحرب والنظام يقاتلون تحت لوائه في سبيل الله.
وقد اختلف المفسرون في اسم هذا النبيّ فقيل : إنّه أرميا النبي. وقيل : إنّه يوشع بن نون. وقيل : إنّه شمعون.
ولكن جميع ذلك لا يمكن المساعدة عليه فإنّ أرميا معاصر لنبوخذ نصّر وسبي بابل وبينه وبين ما ورد في الآية الشريفة زمان طويل يقارب أربعمائة سنة وتسعة أجيال. وأما يوشع بن نون فهو فتى موسى وهو يخالف صريح الآية التي ذكر فيها أنّها كانت بعد موت موسى. وأما شمعون فإن كان هو ابن يعقوب فهو باطل وإن كان غيره فلم يعلم من هو هذا.
ولكن المشهور أنّه اشموئيل الذي هو معرب صموئيل المذكور في التوراة وكتب التاريخ وهو المروي عن أبي جعفر الباقر (عليهالسلام) وفي مجمع البيان وهو بالعربية إسماعيل وذكره المحاسبي أيضا هذا ولكن ذكر شيخنا البلاغي (قدس سرّه) أنّ فيه منعا فإنّ إسماعيل في العبرانية (يشمع إيل).
وكيف كان فإنّ طلبهم من نبيهم كان بعد تسلط الملك الجبار عليهم ونالوا منه الذلة والهوان والتشريد عن الديار والأهل فطلبوا منه الجهاد.
والمستفاد من سياق الآية الشريفة وذيلها (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) أنّ السبب في ذلك ظلمهم ، فإنّهم عملوا المعاصي وأظهروا الخطايا والأحداث المغيّرة للدّين ، فسلّط الله تعالى عليهم من ينتقم ذلك منهم فأخرجهم من ديارهم وأبنائهم ، فتوسّلوا في ذلك إلى نبيّ لهم ليجاهدوا مع الجائرين.
والملك الذي سلّطه الله عليهم هو جالوت الذي تملكهم وسار فيهم بما أوجب فقد استقلالهم في الحياة وإخراجهم من الديار وبعدهم عن الأهل