الإنساني ، كما تذكر وجها من وجوه الحكمة في مشروعية القتال والجهاد مع أعداء الله تعالى.
والمعنى : ولو لا دفع الله أهل البغي والشر والظلم بأهل الصّلاح والإيمان لعمّ الطغيان والفساد الأرض وأهلها ، ويفسد المجتمع الإنساني باستيلاء أهل الشرور والآثام.
والآية تبيّن حقيقة من الحقائق وهي أنّ فساد النوع الإنساني يوجب فساد الأرض وما عليها بالتبع كما أنّ صلاح الأرض إنّما يكون بصلاح أهلها ، ويدل على ذلك آيات متعدّدة مثل قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف ـ ٩٦].
وذلك لأنّ الله تعالى خلق الأرض وما فيها من القوى المادية الطبيعية وجعل بينها تجاذبا طبيعيا تسير وفق النظام الأحسن وحكمة متعالية لا يمكن التخلف عنها ، وهي تتحرّك نحو الكمال المعدّ لها ، فلو اختلت هذه الوحدة المجعولة بينها لاختل النظام الكوني ونتج منه خلاف المطلوب هذا بالنسبة إلى النظام الكوني.
وأما بالنسبة إلى الإنسان الذي خلقه فوق هذه البسيطة وسخر له عالم المادة بجميع أجزائها وجزئياتها ليتمتع بها وقد جعله مختارا في أفعاله يفعل وفق إرادته ولكنّ الله تعالى أنزل التشريعات السّماوية وأودع العقل في الإنسان ليهديه إلى سبل السعادة ويرشده إلى الكمال الذي يتوخاه في سعيه ، ولا يمكن الوصول إلى السعادة إلا بالاتحاد والتعاون بين أفراد المجتمع الإنساني وباختلال تلك الوحدة يغلب الفساد على النوع ومن ثمّ يسري إلى الأرض التي سخرها له ، وإنّما تختل الوحدة في النوع الإنساني لغلبة أهل الشر والفساد على أهل الصّلاح والإيمان ويعم الظلم أرجاء العالم ولا يمكن رفعه الا بدفع أهل الشر والفساد والغلبة عليهما ليمكن إعادة الوحدة بين الأفراد وتتحقق السعادة بها ، فهي إنّما تقوم على أساس المغالبة بين الأفراد والا كانت إرادة كلّ فرد من أفراد المجتمع هي الملزمة ولا يمكن للآخر دفعها وفي ذلك