المعتمدة على مقاطع النفس المبتنية على الدلالة الوضعية ، ومنزّه عن احتياجه إلى التفاهم فإنّه تعالى أجلّ ، وأنزه من أن ينسب إليه جميع ذلك فهو الغنيّ المطلق (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى ـ ١١] ، وسيأتي المراد من كلامه عزوجل الذي أثبته لنفسه الأقدس نعم حقيقة كلّ كلام ـ سواء كان من الخالق أو من المخلوق ـ أنّه إبراز للحقائق والمعاني ، وهذا هو الأصل والبقية فرع عليه ، بل يمكن أن نقول إنّ النظام الأحسن الأكمل الذي اتفق العقل والشرع على حسنه وكماله يبتني على هذا الأصل الأصيل. ولكن هذا الإبراز إما أن يكون بالوحي ، أو الإلهام ، أو الكلام ، أو القول ، أو الإشارة ، أو الكتابة والخط ، وغير ذلك فإنّ جميعها تشترك في حقيقة واحدة والاختلاف إنّما هو بالاعتبار.
دلالة الكلام :
ذكرنا أنّ اللغة إنّما هي ألفاظ دالة على المعاني ينتقل الذهن إليها بمجرّد سماعها وقد مرّ الوضع اللغوي بمراحله المتعدّدة ، فقد كان استعمال الألفاظ في المعاني المحسوسة أولا ثم استعملت في المعاني الأقرب إلى الحس ثم إلى المعنويات وكانت المرحلة الأخيرة هي التجريد الذي هو أعلى درجات الذكاء والقوى العقلية ومن مميزات المرحلة الأولى أنّ الألفاظ كانت معدودة وهي مجموعة من بعض الأفعال والأسماء.
وقيل : إنّ استعمال الألفاظ الموضوعة للمعاني المحسوسة في غيرها من المعاني المعقولة يكون مجازا حتّى يستقر الاستعمال ويحصل التبادر.
ولكنّه مردود بأنّ الألفاظ موضوعة للحقائق الواقعية غير المقيّدة بعالم دون آخر فالاستعمال يكون حقيقة كما يظهر ذلك من بعض أعاظم العلماء من الفلاسفة وغيرهم فلا مجاز في البين مع هذا الاتساع كاتساع المدنية والحضارة التي أوجبت التغيير في الوسائل مع بقاء أصل الفائدة والأثر المطلوب في جميع موارد الاستعمال والتفصيل حرّرناه في (تهذيب الأصول).
الفرق بين الكلام وغيره :
تقدم معنى الكلام الذي هو الأصوات الحلقية المعتمدة على مقاطع