ويمكن إرجاع كلمات القوم إلى ما ذكرناه وإن أبى ظاهر بعضها عن ذلك فإنّهم اختلفوا في ذلك فقال بعضهم بقدم كلامه وقال آخر بأنّه حادث مخلوق. وقال ثالث إنّ التجدد والتبدل إنّما يكون في المتعلّق بالعرض كالعلم.
ولكن مما ذكرناه تعرف المناقشة في جملة مما ذكره الفلاسفة والمتكلّمون في المقام وأطالوا فيه الكلام فيكون أصل النزاع صغرويّا بينهم ، واختلاط بين صفات الفعل وصفات الذات ، فمن جعل الكلام من صفات الذات ذهب إلى الكلام النفسي.
الكلام النفسي :
قلنا : إنّ الكلام والقول في الإنسان عبارة عن إبراز المقصود والمراد بواسطة الحروف والأصوات الحلقيّة ، وفي الله تعالى : إبراز المراد بواسطة الحروف على نحو الإيجاد فإذا سمعها المخاطب ينتقل ذهنه إلى المدلول عليه باللّفظ فيحصل التفهيم والتفهيم ، وقد ذكرنا أنّ الكلام يشترك مع كثير من الدّلالات في هذا الغرض كالإشارة والمحاكاة ونحوهما فإنّ من ذلك محاكاة وجود المعلول عن وجود العلّة ودلالته على خصوصياتها ، ومن ذلك ما يقال من حكاية عالم الإمكان عن علّته الحقيقية ، وكونه مظهرا من مظاهر علمه عزوجل وصفاته العليا المقدسة وأسمائه الحسنى تبارك وتعالى ودالّا عليه عزوجل ، فهو تعالى الدال على ذاته بذاته.
وكيف كان فالكلام هو الألفاظ الدالة على المعاني بالدلالة الوضعية وهذا هو المعنى المعروف فيه الذي ينصرف الذهن إليه عند إطلاقه في العرف واللغة.
ولكن ذهبت الأشاعرة إلى أنّ الكلام على قسمين : الكلام اللفظي وهو الأصوات الحلقية المعتمدة على مقاطع النّفس والحروف. والكلام النفسي وهو المعاني الذهنية التي يدل عليها الكلام اللفظي وقالت : إنّ الكلام اللفظي في الله تعالى حادث زائد على الذات ، والكلام النفسي فيه عزوجل شيء قائم