قوله تعالى : (وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ).
الخلّة والخلال خالص المودة بحيث تخلل في جميع الجسد كتخلل الروح فيه ، يقال : قد تخلّلت مسلك الروح منّي. وسمي الخليل خليلا لأجل ذلك.
أي : أنّ يوم القيامة تنقطع فيه الأسباب الظاهرية التي كانت دائرة في الدنيا فلا تنفع الصداقة فإنّ (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف ـ ٦٧] ، ولا تفيد الشفاعة فإنّها لا تكون إلا لمن اتخذ عند الله عهدا أو (لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء ـ ٢٨] ، والأمر يومئذ كلّه لله.
ونظير الآية قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) [البقرة ـ ١٢٣] ، فليس للإنسان إلا ما سعى في هذه الدنيا.
والمراد من الشفاعة المنفية في هذه الآية ونظائرها : شفاعة بعض أهل الدنيا لبعضهم الآخر لأغراضهم الدنيوية ، وأما الشفاعة بإذنه جلّت عظمته للعصاة على ما أذن فيه تعالى ، فلا ريب في ثبوتها في الآخرة عقلا وشرعا ، كما يأتي في البحث الكلامي.
ويمكن أن تحمل الشفاعة المنفية على الصّداقة المتحققة في الدنيا ، كما عن بعض المفسرين. ولكنّه بعيد عن سياق الآية المباركة.
قوله تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
أي : التاركون للإنفاق مما رزقهم الله تعالى المعرضون عنه هم الظالمون لأنفسهم إذ حرموها السعادة الأبدية ، وأوجبوا على أنفسهم الشقاوة الدائمة الخالدة ، فقد تركوا ما يؤهلهم لنيل رحمة الله ونجاتهم فأي ظلم يتصوّر أشد من هذا.
والآية تثبت أمرا حقيقيا وهو عالم الآخرة التي تنقطع فيه الأسباب الظاهرية التي كانت تدور في عالم الدنيا فلا يفيد في ذلك العالم الا ما سعى