والمشفوع عنده بما يوجب نيل الكمال أو دفع الشر والعقاب وهو إنّما يتوسل لدى المشفوع عنده بما يؤثر عليه من صفات حميدة فيه عنده كالرّحمة والكرم ونحوهما أو في المشفوع له كالعبودية والمذلّة وغيرهما.
الخامس : أنّ الشفيع إنّما يرجع إلى المشفوع عنده بما يرتضيه لا بما هو غير ممكن أو لا يرتضيه فإنّ ذلك قبيح لا يمكن أن يكون مورد الشفاعة فلا يرجع عليه في خلع المولوية عن نفسه أو إبطال الحكم والتشريع أو إلغاء المجازاة ونحو ذلك فإنّ هذه الأمور مما تقبح الشفاعة فيها وهو من المضادة والمعارضة لا من الشفاعة وإلى ذلك يشير قول نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله عزوجل فقد ضاد الله في أمره».
فالشفاعة عند العرف توسط بين السبب ومسببه فهي لا تخرج عن مطلق قانون السببية لكن لا على نحو المضادة والمعارضة والغلبة كما في الأسباب الطبيعية والتكوينية.
الشفاعة في الإسلام :
تقدم أنّ الشفاعة قد وردت في القرآن الكريم في مواضع متعددة والسنة الشريفة بما لا يحصى ولم يرد تحديد من الشرع فيها فيستفاد أنّها في الإسلام هي نفس ما عليه في العرف والاجتماع الإنساني إلا أنّ أثرها الكبير يظهر في يوم القيامة وليس لها في هذه الدنيا ذلك الأثر الكبير ، ولكن نسبة الشفاعة إلى الله عزوجل تكون على نحوين :
الأول : توسط الأسباب بينه تعالى وبين غيره فإنّه عزوجل المبدأ والمنتهى وإليه يرجع الأمر كلّه وهو المالك للخلق على الإطلاق والرب لهم وله من الصفات العليا الحسنى والقيومية العظمى التي يدبر بها خلقه. وبينه تعالى وبين خلقه المحتاج إليه أسباب عادية وعلل وجودية ووسائط كثيرة فإنّه أبى أن يجري الأمور إلا بأسبابها فتكون مجاري إعمال قدرته مثل مجاري الطبيعة والتكوين.
وإطلاق الشفاعة على هذا النوع من السببية صحيح ولا مانع منه عقلا ، بل يستفاد ذلك من قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي