فالشفاعة على نحو ما تقدم مطابقة للعقل والشرع والعرف ، فمن أنكرها بهذا المعنى إنّما ينكر أمرا وجدانيا يعترف به بجنانه وينكره بلسانه.
ثبوت الشفاعة :
لا ريب ولا إشكال في إمكان الشفاعة فهي ليست من المحالات الأولية ، لما هو المتسالم بين الفلاسفة من أصالة الإمكان في كلّ شيء الا إذا دل دليل معتبر على الامتناع ، ولم يتخيل أحد في أنّ الشفاعة من الممتنعات الذاتية هذا بالنسبة إلى الإمكان الذاتي.
وأما الإمكان الوقوعي فقد دلت الأدلة العقلية والنقلية على وقوعها في الخارج على ما يأتي من التفصيل ، وقد استدل على تحقق الشفاعة بالأدلة الأربعة : الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والعقل.
الشفاعة في القرآن :
تدل عليها آيات كثيرة منطوقا ومفهوما ، نفيا وإثباتا في الدنيا والآخرة وهي على طوائف :
الاولى : الآيات التي تدل على انحصار الشفاعة في الله واختصاصها به عزوجل قال تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [الزمر ـ ٤٤] وقال تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) [السجدة ـ ٤]. وقال تعالى : (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) [الأنعام ـ ٧٠].
الثانية : ما تدل على التعميم وثبوتها لغيره عزوجل بإذنه ورضاه وهي كثيرة منها : قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة ـ ٢٥٥]. ومنها : قوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء ـ ٢٨] ومنها : قوله تعالى : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) [مريم ـ ٨٧] ومنها : قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) [طه ـ ١٠٩] ، ومنها : قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي