تصل النوبة إلى الشفاعة ويرشد إلى ذلك قوله تعالى : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) [التوبة ـ ٨٤] ، وهذه الآية المباركة تدل على حرمان مثل هذا الشخص الكافر بالله ورسوله عن الشفاعة لعدم حصول التسبب منه لها.
وبعبارة أخرى : موضوع الشفاعة مركب من أمرين حصول المقتضي على نحو الإجمال من المشفوع له في الدنيا. وتتميم اقتضاء هذا المقتضي من الشفيع في الآخرة كما عرفت أنّه مفهوم الشفاعة.
ما أورد على الشفاعة :
تقدم أنّ الشفاعة ثابتة بل هي حقيقة من الحقائق القرآنية لا يمكن إنكارها. وقد ذكرنا أنّها لا تثبت إلا بشروط خاصة فليست هي مطلقة مرسلة يمكن أن ينالها كلّ أحد فإنّ ذلك خلاف الحكمة المتعالية وقانون الجزاء والحساب وبطلان للسببية كما تقدم.
والشفاعة بالمعنى الذي قلناه مما تدل عليه الأدلة الأربعة ولا يسع أحد إنكارها ومع ذلك فقد أورد بعض على الشفاعة مناقشات وإشكالات واهية وإنّما هي نشأت من قلّة التدبر في الآيات الشريفة وما ورد في الشفاعة من السنة الشريفة ونحن نذكر جملة منها وهي :
الأولى : أنّ الشفاعة ليست إلا الدعاء فقط فما هو معتبر في الدعاء يعتبر فيها وما أورد عليه يرد عليها أيضا ، فليست لها حقيقة أخرى غير الدعاء فيجوز لكلّ أحد طلب الشفاعة.
والجواب عنها : أنّ كون الشفاعة هي الدعاء مما لا ينكر بل هو اعتراف بحقيقتها لكن الشفاعة هي دعاء الشفيع لدى المشفوع عنده للصفح عن المشفوع له. وكما أنّه لا استقلالية للدعاء بوجه أبدا وإنّما هو طريق محض لقضاء الحاجة والشفاعة أيضا كذلك ، فالجميع يرجع إلى التأثير من الله تعالى ولا مشاحة في مجرد الاصطلاح. هذا مضافا إلى أنّ اختلاف مفهوم الشفاعة مع مفهوم الدعاء أوضح من أن يخفى.