والعليم أي : أنّه الحياة الثابتة ، ومفهوم الحياة معلوم وظاهر ، وهي التي تبتني عليها جميع الإحساسات والإدراكات ويلازمها العلم والقدرة وبانتفائها تتعطل جميع قوى الحي ومشاعره وأفعاله وهي على مراتب وأصولها الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية ، وحياة المجردات وقد ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم في مواضع متعددة قال تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) [الحديد ـ ١٧] ، وقال تعالى : (وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى) [الشورى ـ ٩].
وأقسامها ثلاثة : الحياة الدنيا ، والحياة البرزخية ، والحياة الآخرة ، وقد وردت في القرآن الكريم قال تعالى : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) [غافر ـ ٩] ، وسيأتي أنّ المراد من الحياتين الحياة البرزخية والحياة الآخرة.
وأما الحياة الدنيا ـ فقد وصفها الله تعالى بأوصاف مختلفة كلّها تدل على ذم هذه الحياة ورداءتها وزوالها بخلاف حياة الآخرة التي وصفها الله تعالى بأنّها الحياة الكاملة قال تعالى : (هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت ـ ٦٤] ، كما وصفها بالأمن والخلود والهناء وعدم النقص في كلّ ما يرتبط بها قال تعالى : (آمِنِينَ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) [الدخان ـ ٥٦] ، وهي أبدية لا غاية لها بحسب الآخر والمنتهى قال تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) [هود ـ ١٠٨] ، ولكنّها محدثة مسبوقة بالعدم فهي الحياة الكاملة على الإطلاق ، ولكن مع ذلك هي مسخرة تحت إرادة الله تعالى مملوكة له عزوجل قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل ـ ٩٧].
فتكون حياته جلّت عظمته حياة حقيقية كاملة واجبة فيه عزوجل بريئة من النقص يستحيل عليها الموت والفناء قال تعالى : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) [الفرقان ـ ٥٨] ، وهي متقوّمة بالعلم والقدرة ولها مراتب غير متناهية لانتهائها إلى ما يكون عين ذات الله جلّت عظمته ولا مبدأ لأولها ولا منتهى لآخرها ، لأنّه أزليّ أبديّ بذاته ، وكذلك يكون ما هو عين ذاته أي الحياة