قوله تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).
معلول آخر للواحد للحيّ القيوم فإنّه إذا انحصر الحيّ القيوم في الفرد الواحد يكون كلّ ما سواه له لا بمعنى المالكيّة والملكية فقط بل إنّ كلّ ما يتصوّر في السّموات والأرض من جهات الاحتياج والاستكمال له تعالى وليس ذلك من المشترك اللفظي في شيء ، لأنّ اللفظ مستعمل في المالكية الحقيقية للذات بجميع لوازمها وملزوماتها ، فالسّموات والأرض وما فيهما خاضعة لإرادته وحاضرة لديه وهي قائمة به عزوجل ، فالقيومية العظمى تستدعي سعة إحاطته وقدرته وملكه لجميع السّموات والأرض وهي تدل على تفرّده بالألوهية ، وأنّ السلطان المطلق لله تعالى.
ومما ذكرنا يعرف : أنّ هذه الجملة في موضع التعليل لنفي السّنة والنوم عنه تعالى أيضا يعني : من كان مالكا للسّموات والأرض وما فيهما وقيّوما عليها لا يمكن أن تأخذه السّنة والنّوم ، والا استلزم المحال وهو تعطيل شؤون الملك ، كما أنّه لو نام ربان السفينة مثلا وغفل عن شؤونها لغرقت السفينة.
قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ).
استفهام إنكاري أي ليس لأحد الشفاعة والتأثير في ملكه وسلطانه إلا بإذنه. لأنّه إذا كان المعبود بالحق منحصرا فيه عزوجل وهو الحيّ القيوم لجميع خلقه وله جميع ما سواه ملكا وتدبيرا وإيجادا وإفناء لا يعقل أن يشفع عنده بدون إذنه لأنّه محال بالضرورة.
والآية الشريفة بعد إثبات السلطان المطلق له تعالى والملكية الحقيقية فيه عزوجل تثبت قانون الأسباب والمسببات أي الشفاعة التكوينية بإذن الله تعالى ، وقد ذكرنا سابقا أنّ الشفاعة المنفية ما إذا كانت منافية للسلطان الإلهيّ ومستقلّة عن مشية الله تعالى ، وأما إذا كانت بإذنه عزوجل فلا مانع منها فإنّه ما من سبب إلا ويكون تأثيره من الله تعالى فهو القيوم المطلق فتصرّفه إنّما يكون منه جلّت عظمته بل إنّ الأسباب في عالم التكوين حاكية عن جماله وصفاته العليا ونظير الآية المباركة قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ