السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [يونس ـ ٣].
وأما الشفاعة التشريعية فتكون بإذنه عزوجل بالأولى ، لأنّها من شؤون تشريعاته المقدسة التي يكون التكوين من مقدّمات حصولها وقد تقدم الكلام في الشفاعة فراجع.
قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ).
كناية عن كمال إحاطته بالموجودات وسعة علمه بالمخلوقات. والمراد بما بين أيديهم الحاضر المشهود وبما خلفهم الغائب المستور فيشمل جميع سلسلة الزمان الحاضر والماضي والمستقبل وهي بمنزلة التعليل لنفي الشفاعة إلا بإذنه.
يعني : أنّ مناط الشفاعة هو العلم الإحاطي بالعباد بما فعلوه ويفعلونه وسائر جهاتهم وخصوصياتهم في سلسلة الزمان من الحاضر والماضي والمستقبل ومثل هذا العلم منحصر في الله جلّت عظمته فلا بد أن تكون أصل الشفاعة وجميع ما يتعلق بها وسائر إضافاتها من حيث الشافع والشفيع ومتعلق الشفاعة بإذنه واختياره عزوجل حدوثا وبقاء في الدنيا والآخرة فلا كمال ولا استكمال إلا منه تعالى ، ولا يقدر أحد على التصرف في ملكه ولا رادّ لقضائه جلت عظمته إلا منه وبه تعالى ولهذه الآية الشريفة نظائر في القرآن الكريم قال تعالى : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء ـ ٢٨].
قوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ).
تأكيد لسعة علمه وكمال إحاطته ونفي علم ما سواه به تعالى. أي : أنّ أحدا من خلقه لا يقدر أن يحيط بما يعلمه إلا إذا شاء.
ومن هذه الآية الشريفة يستفاد عجز ما سواه عن الإحاطة به تعالى ، لأنّ صفاته العليا وأسماءه الحسنى غير متناهية كذاته المقدّسة وما سواه متناه وعدم