ما هو المعقول ـ بل فوق المعقول ـ بما هو المحسوس ، وله نظائر كثيرة في الكتاب الكريم.
وتعقيب تلك الصفات العليا والأسماء الحسنى بهذه الآية يدل على أنّ المراد هو ثبوت الملك الحقيقي له تعالى وكمال إحاطته واقتداره وتمام تدبيره به وقيام جميع الممكنات به عزوجل فإنّ كرسيه بمعنى انتساب جميع المخلوقات إليه انتسابا اشراقيا. وهو من مظاهر فيضه المطلق غير المحدود فيعم جميع الممكنات.
فكما أنّ في أسماء الله المقدسة اسم جامع لجميعها ، ويصح انتزاع سائر الأسماء الحسنى منه وهو اسم الجلالة (الله) حيث ينتزع منه الرّب ، والرحمن ، والرحيم ، والجميل ، والجليل ، والجواد وغيرها من الأسماء الحسنى ، فكذا لكرسيه جلّت عظمته لحاظ إجمالي ، وهو جميع ما سواه من الممكنات التي وجدت وستوجد إلى الأبد ، ولعل أجلّ تلك الكراسي كرسيّ العلم الذي به تقوم السّموات والأرض كما أنّ به تنتظم شؤون خلقه وتدبير ملكه على الحكمة البالغة.
وإنّما شبّه سبحانه وتعالى ـ ما في ساحته المقدسة التي تجل عن المادة وشؤونها ، فإنّه لا كرسيّ ولا جلوس هناك تقريبا إلى الأفهام ـ بما اعتاد في صفات الملوك والعظماء فشبه عظمته وكبرياءه وسلطانه التام بكرسي الملك المقتدر المدير لرعيته والمدبر لشؤونها والا فليس ما سواه إلا من مظاهر أسمائه وصفاته. وفي المقام كلام طويل على بعض مباني الفلسفة الإلهية أعرضنا عن ذكره وسيأتي في الموضع المناسب بيانه إن شاء الله تعالى.
ومن ذلك تظهر المناقشة في كثير مما ذكره المفسرون في تفسير هذه الآية المباركة ، والعجب أنّ بعضهم أقرّ بأنّ كرسيه تعالى كناية عن كمال إحاطته وتدبيره وسلطانه التام يقول بأنّ الكرسي شيء يضبط السموات والأرض لا يمكن معرفة كنهه وحقيقته. وليس ذلك إلا من التهافت في الكلام.
قوله تعالى : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما).
الأود : المشقة والثقل والجهد ، والضمير يرجع إليه عزوجل ، أي : لا