يشق عليه حفظ السّموات والأرض ولا يجهده ويتعبه ذلك. ولا ريب فيه لأنّ الإخراج من العدم إلى الوجود أقوى وأشد من الحفظ بعد الوجود والثبوت ، وبعد أنّ الممكن بعد الحدوث يحتاج إلى العلة ، فالعلة المحدثة في كلّ آن تكون معه فلا يتصوّر موضوع للأود والمشقة بالنسبة إليه تعالى ، مضافا إلى قيوميته المطلقة التي لا حدّ لها أبدا ، فيكون عروض الأود من فرض القيومية المطلقة من الجمع بين المتنافيين فالآية الشريفة تؤكد السعة العلمية والربوبية العظمى.
قوله تعالى : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).
هذه الجملة تدل على حصر جميع الكمالات فيه عزوجل فلا علوّ ولا عظمة إلا فيه ومنه تعالى وقد وردت في عدة مواضع من القرآن الكريم وقرن اسم العلي بالكبير قال تعالى : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [سبأ ـ ٢٣] ، وبالحكيم قال تعالى : (إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الشورى ـ ٥١] ، وقال تعالى : (لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الزخرف ـ ٤] ، كما اطلق اسم الأعلى عليه جلّ جلاله قال تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى ـ ١] ، وقال تعالى : (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) [الليل ـ ٢٠] ، كما أورد اسم العالي في أسمائه المباركة الحسنى في جملة من الدّعوات المأثورة.
والمعنى : هو العليّ في ذاته وجميع شؤونه وصفاته فهو المتعالي عن الشرك والأنداد وعن الضعف في وجوده وصفاته ، والفتور في ملكه وأمره العظيم في شأنه وجلاله ، وأمره وسلطانه فلا يعجزه كثرة مخلوقاته وهو المنزّه عن الاحتياج إلى غيره في ملكه وسلطانه.
ويمكن أن تكون هذه الجملة حالية أي : كيف يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم بالنسبة إلى ما سواه مطلقا ، فلا يعقل عروض التعب والمشقة عليه.
وهذه الآية الشريفة خلاصة ما ورد في المعارف الربوبية تشتمل على الذات المقدّسة وأمهات الأسماء الحسنى وأصول الصفات العليا ، وكلّ ما قيل في ذلك مقتبس من هذا النور الإلهي ، فهو الله لا إله إلا هو المتنزه عن الأشباه