الكمال عنه خصوصا في بعض مراتب الإكراه.
الثاني : أنّ الإكراه على الدّين ينافي الجزاء مطلقا فإنّ الأثر إنّما يترتب على الفعل الاختياري بلا فرق بين الوضعيات والتكليفيات.
الثالث : الإكراه إنّما يكون مورده الأفعال والحركات الخارجية أما الأمور القلبية فلا مجرى للإكراه فيها والدّين من الأمور القلبية فلا يجري فيه الإكراه والإلجاء لأنّ الإكراه فيها لا يستتبع العلم والتصديق وهما من نتائج الحجة والبرهان دون الإكراه والإلزام.
والآية المباركة تبيّن حقيقة من الحقائق القرآنية التي تدل على نفي الإكراه في الدّين كلّه وبها تكون حجة على من زعم بأنّ الدّين لم يقم إلا بالسيف والقتال مع أعداء الدّين حتّى يدخلوا في الدّين فيرفع الفتنة من الأرض قال تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [البقرة ـ ١٩٣].
ومما ذكرنا يظهر بوضوح فساد زعمهم فإنّ القتال الذي أمر به الإسلام ، والجهاد الذي حث عليه القرآن ليس لأجل إكراه الناس على الدخول في الدّين وبسط النفوذ ، وإنّما هو لأجل الدفاع عن النفس وإحياء الحق وإرجاع الناس إلى الفطرة بعد الجحود وإنكار الوجدان.
وبعبارة أخرى يكون القتال لدفع المزاحم وإزالة العقاب في سبيل نشر الدّين وليس ذلك في أصل الجعل والتشريع ، إذ ليس للإيمان الحاصل من الإكراه أيّ أثر كما عرفت.
مع أنّ الدّين مطابق للفطرة السليمة ولا مجرى للإكراه فيها فإنّ من قبله ودخل فيه كان مستقيما على الفطرة ومن أنكره خرج عن فطرته قال تعالى : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [البقرة ـ ٥٧] ، والدّين كسائر الأمور الفطرية التي من ينكرها كان جاحدا لهويته وإرادته ، والسبب في الإنكار هو البعد عن منبع النور وانغماره في دار الغرور.
وإنّما الشواغل الحسية |
|
قد حجبت نفوسنا النورية |