ويدل على ذلك قوله تعالى : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) فالمرجع هو حكم العقل والفطرة قبل إرسال الرسل وبعدهم ومعهم. هذا أولا.
وثانيا : إنّ الإكراه لو كان بحق فهو حسن بل واجب في النظام الأحسن وله نظائر كثيرة في تنظيم النظام مثل البيع في موارد الاحتكار وإجبار المحتكر على البيع بثمن المثل ، والإكراه في الدّين إكراه بحق مطلقا فإنّ تركه قبيح وأي قبح أشد من ترك الإنسان من أن يسعى في الشقاوة الأبدية ، فيكون الإكراه لأجل إزالة الشقاوة في الطرف المكره كالإكراه للتصالح بين الأطراف المتنازعين.
والآية تنفي الإكراه بغير الحق ، كما كان معمولا بين الطواغيت والجبابرة وما كان معهودا في بعض الأديان.
وثالثا : إنّ التاريخ يكذب هذا الافتراء ، لأنّ الإسلام في ابتداء دعوته كان مستخفيا والمشركون قد أعلنوا العداء له وكانوا يفتنون المسلمين بأنواع الأذى ونهاية التعذيب حتّى اضطر الرسول (صلىاللهعليهوآله) وأصحابه إلى الهجرة عن مهبط الوحي.
ويمكن أن تكون الآية الشريفة إرشادا بتعليم المؤمنين إلى ما يقع عليهم من الإكراه على الكفر من الكافرين. يعني : إن اكرهتم على الكفر فأضمروا الحق في قلوبكم واجهروا لهم بجوار حكم ما يريدون فتكون هذه الآية نظير قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) [النحل ـ ١٠٦].
قوله تعالى : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ).
الآية الشريفة في مقام التعليل لنفي الإكراه في الدّين. والرشد ـ بضم الراء والشين أو بضم الرّاء فقط ـ يأتي بمعنى الصّلاح وإصابة الصواب خلاف الغي ، ويستعمل بمعنى الهداية أيضا. وهو من المفاهيم المشككة التي لها مراتب متفاوتة جدّا وقد استعمل في القرآن كثيرا قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) [الأنبياء ـ ٥١] ، أي : آتينا ما يوجب صلاحه ويهديه إلى الحق والصواب وقال تعالى ـ حكاية عن أصحاب الكهف ـ : (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا