رَشَداً) [الكهف ـ ١٠] ، وقال تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) [النساء ـ ٦] ، أي : صلاحهم في استعمال الأموال وقال تعالى : (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) [الكهف ـ ٦٦] ، فإنّ الرشد الذي آتاه خليله إبراهيم مرتبة منها والرشد الذي يحصل لليتيم أيضا مرتبة أخرى. وبينهما بون عظيم.
والغي : خلاف الرشد ، ويستعمل في الضّلال أيضا ، وله مراتب شدة وضعفا.
والمعنى : لا إكراه في الدّين لأنّه قد تبيّن طرق الصّلاح ، ووضح سبيل الحق ، وتميّز بينه وبين سبيل الباطل.
وسياق الآية المباركة المشتملة على التعليل يدل على أنّها من المحكمات التي لم ينسخ شيء منها ، فلا وجه لما عن بعض المفسّرين من أنّ الآية المباركة منسوخة بقوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [البقرة ـ ١٩٣] ، لما ذكرناه آنفا من أنّ القتال لأجل إزالة الباطل لا إثبات الحق والطريق الواضح.
قوله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ).
الطاغوت : من الطغيان ، واللفظ من صيغ المبالغة يوصف به الواحد والجمع ويستوي فيه التذكير والتأنيث ، ومادة (طغى) تأتي بمعنى التجاوز عن الحد في الطغيان ، وقد ذكر هذا اللفظ ثمان مرات في القرآن الكريم تارة واحدا قال تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) [النساء ـ ٦٠] ، وأخرى : في مقام الجمع قال تعالى : (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) وثالثة : مؤنثا يعود إليه الضمير المؤنث الظاهر في الجماعة قال تعالى : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها) [الزمر ـ ١٧] ، ورابعة أشير إليه بهؤلاء قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) [النساء ـ ٥١] ، وهو في جميع استعمالاته مبغوض لدى الرحمن وذوي الفطرة السليمة من أفراد الإنسان.