ويطلق على كلّ من كان سببا للطغيان والضّلال مثل الأصنام ، والشيطان ورؤساء الشرك والعناد ، وتعرف المصاديق من القرائن الحافة بموارد الاستعمال ، ففي المقام يراد به كلّ ضلال وما يكون سببا للخروج عن الحق والصراط المستقيم سواء كان صنما أو إنسانا أو شيطانا أو العصبية والأهواء الباطلة ، فله وجود نوعي شامل لجميع الأفراد والمصاديق.
أي : فمن يكفر ويعرض عمّا كان سببا للطغيان ، ويتبرّا من دعاة الشرك والضّلال ، ويؤمن بالله وحده لا شريك له. ويأتي جواب الشرط.
قوله تعالى : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى).
الاستمساك : شدة التمسك وإحكامه. والعروة : هي مقبض الإناء ونحوه. ويطلق على التعلّق بشيء ولو بالحبل المتين.
والوثقى : تأنيث الأوثق ، أي : الثابت والمحكم المأمون قطعه ، وجمع الوثقى الوثق كالفضلى والفضل.
وفي الآية الشريفة تشبيه بليغ واستعارة لطيفة وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس تقريبا إلى الأذهان المستأنسة بالأجسام كما هو دأب القرآن ، ولبيان أنّ الإيمان بالله تعالى والكفر بالطاغوت يوجبان السعادة الحقيقية واستقرار نفس المؤمن وعدم تأثير الأوهام والشبهات فيها.
والمعنى عام يشمل جميع العرى الجسمانية والمعنوية والروحانية الداعية إلى الحق والرشاد ، ولا عروة أوثق من هدي الرحمن ومعارف القرآن ، ولا كمال أكمل وأجل مما يفيضه الله تعالى على عباده.
والمراد بها في المقام : الإيمان بالله الذي لا يعتريه ريب وتردد ولا يعقل أن تعتريه الشبهات والوهن في الحجج ، لاتصال هذه العروة بالملك القدّوس ومدبر الأرواح والنفوس العليم الحكيم المهيمن على الجميع ، وخلوصها عن شوائب الماديات وظلمات المادة.
فلنفس هذه العروة الوثقى حياة معنوية أجل وأشرف من الحياة