٢٥٧ ـ قوله تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ).
خطاب فيه منتهى العطف والحنان وفيه البشارة بأنّه تعالى وليّ أهل الإيمان وهذا من أجلّ المقامات وأشرفها لهم ، ووعد منه عزوجل لهم بإخراجهم من الظّلمات إلى النور.
وهذه الولاية ولاية الرعاية والصّلاح والعطف والحنان أي : إنّ الله تعالى المدبر للمؤمنين يقوم بتدبيرهم بما هو الأصلح لهم ، وهي غير الولاية التكوينية التي له تعالى على جميع ما سواه ، وهي مضافا إلى كونها إراءة الطريق إيصال إلى المطلوب أيضا ، وأيّ مطلوب أجلى وأعلى من الوصول إلى عالم النور الذي مبدؤه ومنتهاه هو الله عزوجل.
وقد أضاف جلّت عظمته تلك الولاية إلى ذاته الأقدس وهذه الإضافة تشريفية من أكمل أنحاء الحقائق.
وإنّما أتى بالظلمات بلفظ الجمع لكثرة مناشئ الظلمة والجهل والغواية وتباينها بحيث لا يمكن جمعها تحت جامع واحد إلا جامع اعتباري لا حقيقة له.
وأما النور فإنّه حقيقة واحدة ، والمراد به في المقام : نور الهداية والطاعة والإيمان ولا وجه للتعدد فيه ، لأنّه من واحد وفي واحد ولغرض واحد والتعدد لو كان فهو فرضي اعتباري لا أن يكون حقيقيا وموضوعه يدور على استكمال الأبدي المطلق. وهذا النور المعنوي يعم الدنيا والآخرة.
والكلام محمول على حقيقته دون المجاز ولكن لنفس الحقيقة مراتب كثيرة شدة وضعفا وجوهرا وعرضا وكمالا ونقصا ، فلا وجه لحمله على المجاز كما عن بعض المفسرين ، كما لا وجه لحمله على الحقيقة التي هي محجوبة عن البصائر والأبصار وهي عالم الغيب ، لأنّ اللفظ ظاهر في الحقيقة غير المحدودة بعالم دون عالم آخر. نعم ، لها مظاهر ومراتب كما مرّ ، ففي الآية الشريفة يراد من النور : الإيمان والهداية ومن الظلمات : الضّلال والغواية.