بحث عرفاني
قد أثبت العلماء أنّ نسبة المعارف المعنوية إلى الأرواح كنسبة الأغذية الجسمانية إلى البدن والجسم ، فإنّ الجسم يصلح بصلاح الغذاء وينمو به ويفسد بفساده وتختلف درجات الغذاء فيهما ، كما أنّ له مراتب كثيرة جدّا بحسب اختلاف الأجسام بل اختلاف الحالات في بدن واحد فضلا عن أبدان مختلفة ، فكما أنّ من طبيعة الجسم التغذّي بما يصلحه والا اضمحل وزال وكذلك الروح فإنّه لا بد له من الانتفاع بما يناسبه والا لبطل استعداده وتعرض للهلاك.
والإكراه في التغذّي الجسماني يستلزم خلاف المطلوب بل يوجب تنفر الطبع عن الغذاء وانزجار النفس عنه ويؤثر ذلك على الروح أيضا لأنّ بينهما جذبا وكذا لا وجه للإكراه بالنسبة إلى الروح وما يرتبط به بل هو أشدّ تأثرا من الجسم لأنّه جوهر لطيف أكثر تحسّسا منه ، ولكن كلّ ميسر لما خلق له. ولكلام الحق تعالى جذبات وللقرآن كذلك ، وللموعظة الصادرة عن أهلها جذبات بمراتبها المختلفة التي لا حدّ لها ، ومع تحقق تلك الجذبة كيف يتصور الإكراه ، ويعلم سرّ ذلك في قوله تعالى : (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [ابراهيم ـ ٤] وقوله تعالى : (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [البقرة ـ ٢١٣] فلو لم تكن في المعشوق جذبة فإنّه لا يكون لجهد العاشق أثر وإن بلغ ما بلغ في العناء والمشقة.