قوله تعالى : (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ).
إنّما قال إبراهيم (عليهالسلام) (رَبِّيَ) لاعتراف الجميع بأنّ ربّ إبراهيم هو الله تعالى.
والمراد بالحياة والموت : ما هو المدرك بالحس والوجدان النوعيان الشاملان لجميع ما هو متصف بالحياة من النبات والحيوان والإنسان.
أي : قال إبراهيم (عليهالسلام) في مقام المحاجّة مع نمرود إنّ ربّي من يقدر على الإحياء والإماتة بل على إيجاد العالم وإفنائه فإنّ إعطاء الروح وأخذه إنّما يكون تحت استيلائه وفي قبضته ، ولكن نمرود فهم من ذلك الإحياء والإماتة الشخصيتين للإنسان فادعى لنفسه ذلك أيضا ، فأمر بإحضار شخصين من السجن فقتل أحدهما وأطلق الآخر ـ كما ورد في بعض الروايات ـ فقال أنا احيي وأميت. ولم يعلم أنّ ذلك ليس من الإحياء والإماتة فإنّ الإطلاق من السجن والقتل بمعزل عن الاستيلاء على الروح ـ مطلقا ـ الذي هو منحصر في الله تعالى أو من يأذن الله عزوجل له بالتسلط عليه.
وإنّما خص إبراهيم (عليهالسلام) في حجته الإحياء والإماتة دون غيرهما من صنع الله تعالى ، لأنّهما يختصان به تعالى وليس لغيره عزوجل منهما صنع وهما مشهودان للجميع واضحان جليان ومع ذلك لم ينفع الاحتجاج بهما عليهم وذلك لقصور تفكرهم وتعقلهم ولا يرجى أكثر من ذلك ممن أسر نفسه في المادة وأوقع نفسه في سجن الماديات لا يرقى فكره عن محيط نفسه ولا يعرف أنّه في أين ومن أين وإلى أين ، ومثل ذلك يجري في كلّ قوم بلغ الانحطاط الفكري فيهم إلى هذا المستوى وإن تقدّم في الماديات الرقيّ الحضاري ولا نرى هذا الانحطاط المعنوي في مجتمعنا المعاصر والمدنية الحاضرة أيضا الا لبعدهم عن المعارف المعنوية وانهماكهم في الماديات.
قوله تعالى : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ).
أي : أنا الربّ الذي يحيي ويميت ، وقد قصر ذلك على نفسه ـ ولم