قوله تعالى : (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ).
أي قال الله عزوجل أو لم تؤمن بي وبقدرتي على الإحياء؟ والاستفهام تقريري لإظهار مقارنة السؤال مع عدم الإيمان ولم يكن استفهاما عن حكمة السؤال ووجهه حتّى يكون فيه الردع والعتاب ، والوجه في ذلك دخول همزة الاستفهام على الواو الدال على الجمع ولو قيل : ألم تؤمن لدل الكلام على أنّ السؤال نشأ عن عدم الإيمان ودل على الردع والعتاب.
وإنّما حذف متعلّق الإيمان للدلالة على أنّ الإيمان بالمبدإ يلازم الإيمان بالمعاد فلا يتحقق أحدهما بدون الآخر. وخصوص المورد ـ وهو الإحياء ـ لا يوجب تخصيص العموم أو تقييد الإطلاق كما هو معروف بين الأدباء.
قوله تعالى : (قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).
بلى كلمة تستعمل في مقام النفي ، فينقلب بها النفي إلى الإثبات والاطمينان والطمأنينة سكون النفس بعد الانزعاج. واطمأنّ وتطامن متقاربان لفظا ومعنى.
أي : قال إبراهيم : بلى إنّي مؤمن بذلك ولكنّ المشاهدة والعيان يؤثران في استقرار النفس ورسوخ العلم في القلب ويزداد بهما اليقين والوقوف على سرّ الإحياء وهذا ما لا يمكن دركه إلا بالمشاهدة والرؤية.
وإنّما حذف المتعلّق أيضا لأنّ قلب الخليل مضطرب دائما خصوصا إذا كان أحد الخليلين متناهيا والآخر غير متناه ، وقد نسب إلى نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «أللهم زدني فيك تحيّرا» وعن أكابر الفلاسفة : إنّ الاعتراف بالقصور عن درك الذات إدراك.
وأما ما نسب إلى عليّ (عليهالسلام) : «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» أي : ما ازددت يقينا أنّي على الحق وعلى الصراط المستقيم لا أن يكون مراده بالنسبة إلى درك الذات الأقدس الربوبي كما تشهد به جملة من كلماته الشريفة ، مع أنّ مراتب الاطمينان بالله تعالى واليقين به عزوجل كثيرة غير محدودة.