قوله تعالى : (قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ).
صرهنّ ـ بضم الصاد وسكون الراء ـ وقرئ بكسر الصاد. ومادة (صرر) تأتي بمعنى الشد والضم والقطع ، وهذه الثلاثة متقاربة ومتلازمة ويصح أن يجعل الجامع الضم ، وقد يستلزم القطع الضم كما إذا قطعت أجزاء الحيوان فيضم بعضها إلى بعض وتجعل في موضع واحد ، وسميت الصرّة صرّة لجمع الدراهم فيها.
والمعنى : خذ أربعة من الطير فضمّهنّ إليك بأن تجمعها في مكان للمؤانسة والمؤالفة ، وأن يستشرقن بشوارق النفس القدسية وتستعد للموهبة الإلهية وهي الإيجاد بعد الإفناء والسعي في الإتيان بدعاء أبي الأنبياء.
وعلى هذا يكون الجار متعلقا بصرهنّ من دون محذور ولا نحتاج إلى تضمين الكلام. وقيل : إنّ الجار متعلّق ب (خذ) ولكنّه بعيد ومخالف لفصيح الكلام.
ومن هذه الجملة يستفاد أنّ الغرض المقصود من السؤال هو مشاهدة كيفية إحياء الأموات المدلول عليها بقوله : (تُحْيِ الْمَوْتى) فإنّ الكلمة الأولى تدل على كيفية إحياء الله الأموات والثانية تدل على أنّ إحياء الجمع الكثير من الأموات بعد تلاشي أجزائها واستحالتها وتبدلها إلى صورة أخرى ، فإنّ إحياء هذا الجمع أمر يستبعده الذهن بادئ الأمر ، ولأجل ذلك كان الجواب مشتملا على قيود خاصة دخيلة في استيفاء الغرض المقصود ، فلو كان السؤال عن مجرد إظهار القدرة الأزلية لكان الجواب يتم بإحياء ميت أو أموات كما في القصة الأولى ولا يحتاج إلى هذا التطويل في الجواب وتكثير القيود. ومن وجوب المطابقة بين السؤال والجواب يستفاد أنّ السؤال إنّما كان عن كيفية الإحياء ومشاهدته من حيث إنّه فعل الله تعالى لا مجرد ترتيب الأجزاء المادية وإحيائها لا سيّما في إحياء الأموات.
والقيود التي أخذها عزوجل في الجواب هي : أن تكون مورد الإحياء طيورا ، وأن تكون أربعة ، وأن تكون إحياء الأموات ، وأن يجعلها مأنوسة به ،