وأن يقتلها ويقطّعها ويمزج أجزاءها ، وأن يفرّق الأجزاء على الجبال المتباعدة ، وأن يدعوهنّ باجتماعهنّ عنده. وأن يكون كلّ ذلك بيد إبراهيم (عليهالسلام) وبمباشرة من نفس السائل ، فهذه القيود كلّها دخيلة في الغرض ومنها يستفاد عظم السؤال والسائل.
ومن ذلك يعلم المناقشة في كثير مما ذكره المفسرون في المقام كما سيأتي في البحث الدّلالي ما يرتبط به.
ولعل ذكر الطيور بالخصوص واختيارها لأنّ فيها دقائق من صنع الله جلّ جلاله لا تكون في سائر الحيوانات ، فتكون الإعادة نظير قوله تعالى : (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) [القيامة ـ ٤].
أو لكون الطير أقرب إلى الإنسان فيصح أن يكون مثالا للحشر الأكبر ونفخة الإحياء ، وفي الطير خصال حسنة حثنا الشرع الأقدس بتعلّمها منهنّ فعن عليّ (عليهالسلام) : «لو توكلتم على الله تعالى حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وترجع بطانا».
أو لأنّ الطير أخف وأسهل انتقالا ويكون قتله وتقطيعه وجعله أجزاء متفرقة في زمان أقل من غيره.
ولا ريب في أنّ الطيور الأربعة من أنواع مختلفة لأنّ ذلك أتم وأكمل في إظهار قدرة الله تعالى وأدل على صنعه عزوجل.
قوله تعالى : (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً).
أي : اذبحهنّ وصيرهنّ أجزاء وامزج تلك الأجزاء لئلا تتميز ثم فرق تلك الأجزاء واجعل على كلّ جبل جزءا.
وهذه الآية تدل دلالة واضحة في المحاورات العرفية على سبق الذبح والتقطيع والخلط ، فلا وجه لما عن بعض المفسرين من إنكار الدلالة.
والوجه في العطف ب (ثم) الدال على التعقيب مع التراخي لأنّ هذه العملية إنّما تكون بعد إمالة الطيور وتأنيسها ومعرفة خصوصياتها وطباعها ثم