ذبحها وتقطيعها وخلطها كلّ ذلك يحتاج إلى مدة.
وإنّما أمر سبحانه بالجعل على الجبل دون سائر المواضع إما لكونه أبين في إظهار القدرة ، أو لكونه أظهر في الفصل بين الأجزاء ، أو لكونه مثالا لبعث الموتى من مشارق الأرض ومغاربها بإذن الله تعالى ، أو لأنّ الطيور إنّما توكر في الأماكن المرتفعة دون غيرها.
والآية الشريفة مطلقة لا يستفاد منها أنّ الجبال كانت في منطقة واحدة ، بل يمكن أن تكون بينها مسافات بعيدة بأن كان بعضها في بابل وبعضها في الشام وبعضها في بيت المقدس وآخر في الحجاز لأنّ ذلك أبين في إظهار قدرة الله تعالى.
كما لا يستفاد من الآية الشريفة أنّ هذه القضية كانت في زمان واحد بل يمكن أن تكون في أزمنة متعدّدة.
قوله تعالى : (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً).
السعي في المقام : سرعة السير في الطيران. ونسب إلى الخليل أنّ المراد به سعي إبراهيم (عليهالسلام) لا الطير ولا وجه له.
والمعنى : ثم نادهنّ بأسمائهنّ تأتيك الطيور بكامل هيئتها وخصوصياتها مسرعات ، ويمكن أن يكون الدعاء بلسان الطير فإنّه (عليهالسلام) ممن علم منطق الطير لأنّه تعالى أراه ملكوت السّماوات والأرض.
وقد اكتفى سبحانه وتعالى بذكر الوعد عن الوقوع لأنّ الله لا يخلف الميعاد ، ولما هو المعلوم من قدرة الله تبارك وتعالى.
وإنّما ذكر سبحانه (ادْعُهُنَ) دون الصياح والنداء ، لأنّ الدعاء هو التكلم مع الغير مع ذكر اسمه ، ويستعمل في القريب أيضا وهو مع تقارب الجبال واضح ، وأما التباعد فيمكن أن يكون قد نقل الهواء صوت الخليل (عليهالسلام) كما ينقل الأصوات من مشارق الأرض إلى مغاربها عبر الأثير بواسطة المذياع والتلغراف ونحوهما.