عنه ويوجب الإحباط وعدم استحقاق الأجر الجزيل ، ويدل عليه قوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [البقرة ـ ٢٦٤].
وإنّما عبّر عزوجل ب «ثم» للدلالة على أنّ الإنفاق الذي غلب فيه مرضاة الله تعالى إذا تعقبه المنّ أو الأذى أوجب حبطه فكيف إذا كان الإنفاق متصفا بأحدهما أو كليهما حين صدوره فإنّه لا يكون في سبيل الله ، ولا يدخل المنفق فيمن أنفق أمواله في سبيل الله ولم يسلك في زمرة السالكين في مرضاة الله تعالى ولا يعتد به وبإنفاقه.
والآية الشريفة ترشدنا إلى خلق كريم من مكارم الأخلاق التي أمرنا بالاتصاف بها ، وفي هذه الخصلة الحميدة تجتمع مصلحة النوع ومصلحة الفرد ، وبمراعاته يتحقق التآلف بين أفراد الناس الغني والفقير على حدّ سواء وهو يكشف عن حسن نية المنفق وعطفه ورأفته على الغبر ولم يطلب من إنفاقه سوى رضاء الله تعالى فلا يتفاضل الغنيّ على الفقير ، بل يكون قبول الفقير لما أنفق عليه موجبا لدخول السرور على المنفق لأنّه أوجب دخوله في رضوان الله تعالى ، ويشكر الفقير الغنيّ لأنّه الواسطة في فيض الله تعالى ، وكذا كلّ إعانة تصدر من كلّ معين إلى المحتاج المستعين ، فهو خلق كريم من ذوي النفوس القدسية والهمم الرفيعة الأبية.
قوله تعالى : (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
الخوف : توقع الضرر وهو قابل للشدة والضعف وغالبه يرجع إلى الاعتقاد ، وهو قد يحصل عن مباد حقيقية كالخوف من عقاب الله تعالى وعظمته وقهاريته ، وقد يكون عن مباد ظنية خيالية.
والحزن ـ بسكون الوسط ، أو بفتحتين ـ غمّ يحصل للنفس ، وهو أيضا قابل للشدة والضعف وله مباد واقعية وظنية.
والآية تبيّن أنّ الجزاء المضاعف للمتقين محفوظ عند الله تعالى ، فيفيد الترغيب على الإنفاق ، ويكون أهنأ للنفوس ، وإنّما أضافهم إلى ربّهم تشريفا