والآية الشريفة باختصارها تبيّن جملة من مكارم الأخلاق الاجتماعية وترشد الإنسان إلى ما هو الخير له في أفعاله وأقواله دون ما يعتقده خيرا مهما عظم في عينه وهو في الواقع ليس بخير ، وتبيّن قبح المنة على الخلق والتأكيد على الابتعاد عن هذه الرذيلة فإنّ آثار السيئات ومفاسد الأخلاق تبقى ولا تفنى حتّى تظهر في هذه الدنيا ، وتنقلب من العرض إلى الجوهر في العقبى ، وفي بعض الأحاديث إنّها تظهر في النسل ولو بعد سبعين بطنا ، وكذا آثار الحسنات ، وذلك من مكنون علم الله جلّ جلاله الذي لا يحيط به غيره ، فكم من ذرية سادت بفعل الآباء وكم منها ذلت بطغيان الآباء ولا معنى للربوبية العظمى إلا هذا ، ويرشد إلى ذلك القاعدة المعروفة «كما تدين تدان» التي قرّرتها الشريعة.
وبالجملة إنّ هذه الآية ترشدنا إلى أهم الأحكام الاجتماعية التي لوحظ فيها المصلحة الفردية والمصلحة العامة فإنّ قول المعروف والمغفرة من الآداب العامة التي تبتهج بها النفوس وتميل إليها القلوب وتحث على العمل وتبعث العزيمة على البذل وتوجب نمو الإنفاق والزيادة ، وهذا معنى الخيرية فيهما دون الأذى فإنّه من موانع القبول ومن مثبطات العمل وموهنات العزائم تجلب البغضاء بين الأفراد.
وقد وردت في القول المعروف الذي يرد به السائل والمغفرة عن إسائته روايات كثيرة منها ما عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «إذا سأل السائل فلا تقطعوا عليه مسألته حتى يفرغ منها ثم ردوا عليه بوقار ولين إما ببذل يسير ، أو رد جميل فقد يأتيكم من ليس بإنس ولا جان ينظرون كيف صنيعكم فيما خوّلكم الله تعالى» ويدل على صحة ما ورد في هذه الآية الشريفة قصص وحكايات تكفي واحدة منها للعبرة والاعتبار لمن كان من ذوي البصيرة والرشاد ونعم ما قيل :
لا تهيننّ الفقير علّك أن |
|
تركع يوما والدهر قد رفعه |
قوله تعالى : (وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ).
الغني والحليم من الأسماء الحسنى لله جلّ جلاله ، وكلّ منهما من