بركاتها ولا بد من التأمل والتفكر فيما يؤول إليه الإنسان والتبصر في الأمور ، والاعتبار من الدنيا وما فيها ليفوز بالسعادة في الدارين.
٢٦٧ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ).
الآية المباركة تبيّن نوع المال المنفق به وأوصافه فاعتبر سبحانه أن يكون من الطيبات التي يرغب إليها الناس وتستلذها النفس لا أن يكون من الخبيث الذي يتنفر منه الطبع ويستكرهه الإنسان ، وهذا وإن كان وصفا للمال في المقام ولكنّ الآية تربط ذلك بالجانب الأخلاقي فتجعله من مكارم الأخلاق ، وهذا هو دأب القرآن الكريم إذا أراد التأكيد على أمر والاهتمام به وتهذيب النفس وترويضها على التحلّي بمكارم الأخلاق ، فإنّ الإنفاق من الطيّب أمر مرغوب فيه عند العقل والعقلاء والآية الشريفة ترشد إلى هذا الأمر العقلي ، ويجهد كلّ فرد في تحصيل الطيبات والاحتفاظ بها والله تعالى أمرنا بالإنفاق من هذه الطيبات دفعا لرذيلة الشح الكامن في النفس الإنسانية والاجتناب عن اللؤم والخساسة وهو الكمال الذي يطلبه الإنسان في جهده وعمله.
ومن هنا يظهر الجانب الأخلاقي في هذا الحكم الإلهي.
والطيّب معروف وهو يعرف تارة : بالمعنى الثبوتي أي ما تستلذه النفس والحواس ، وأخرى : بالمعنى العدمي أي ما ليست فيه منقصة أو غير الرديء ، وله مراتب كثيرة تختلف باختلاف الأعصار والأمصار ، كما أنّ له استعمالات متعدّدة في القرآن الكريم بهيئات مختلفة ، ويستعمل في الجواهر والأعراض والذوات ، ولكن لم أجد ـ في ما تفحصت عاجلا ـ إطلاق لفظ الطيّب على الله جلّ جلاله ، ولعلّ الوجه في ذلك استعماله في الجسمانيات ، وهو تعالى منزه عنها.
وما كسبتم أي : ما حصل لكم من الأموال بسبب التجارة وغيرها وما أخرجه الله تعالى من الأرض من النبات والمعادن ونحوهما.
قوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ).
التيمم : هو القصد إلى الشيء وعمده ولم يستعمل لفظ التيمم في