سيد الأنبياء في كلمته المباركة التي جمعت فيها أبواب من المعارف «اللهم اغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك ويعجبني فقري إليك ولم يكن ليعجبني لو لا محبتك الفقر».
والفقر الذي يعد به الشيطان : هو فقر النفس فيكون الفقر في الدنيا وللدنيا وهو من أقبح الذمائم ومصدر كلّ فحشاء وسوء.
والفحشاء صفة كالسوداء والحمراء ، والفحش والفواحش والفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال ، ولم يرد لفظ الفحش في القرآن الكريم ، ولعلّه لأجل عظمة قبح هذه المادة لم يبق لها مفردا بذاته بل الفرد الواحد يشتمل على أنحاء من القبح من إيذائه الغير وبذاءة اللسان وقباحة الألفاظ والبيان فيشتمل كلّ فحش على فواحش لا محالة.
والآية الشريفة تبيّن أهمّ المثبطات للإنفاق في سبيل الله تعالى وأكبر الموانع في وجه الخلوص والإخلاص فيه ، وتقيم الحجة على ما ذكر في الآية السابقة فإنّ اختيار الخبيث للإنفاق من تسويلات الشيطان ووساوسه وهو بإغوائه يحرم الإنسان من الفضل العظيم الذي يكون في إنفاق الطيبات.
كما أنّها ترشد الناس إلى حقيقة من الحقائق القرآنية وهي أنّ كلّ ما يوهن عزيمة الإنسان من الأوهام والتخيلات والوساوس النفسانية يرجع إلى إغواء الشيطان سواء كان بواسطة أو بغيرها ، وهي التي تؤكد رذيلة الشح الكامن في كلّ نفس وتورث البخل والإمساك فتؤدي إلى انتهاك أوامر الله تعالى ومخالفتها ، وترجع أخيرا إلى نبذ ما أراده الله تعالى من المصالح في هذا الأمر الخطير المهم بالنسبة إلى الفرد والمجتمع فتختل سعادتهما المرجوة التي كتبها الله سبحانه لهما وتفشو الرذائل والفحشاء ، ولذا أكد سبحانه أنّ الشيطان الذي يغوي الإنسان بإلقاء خوف الفقر في نفسه وإظهار البخل والإمساك والحرص في الإنسان وهي من سفاسف الأخلاق التي تؤدي إلى ارتكاب الفحشاء التي يأمر بها الشيطان والإغواء الذي يطلبه للإنسان ، وهذا هو الضّلال المقابل للحق الذي أمر به الله سبحانه وتعالى فإنّه لا ثالث بينهما ، ولذا عقب سبحانه ذلك بقوله : (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) لبيان أنّ هذا هو الحق الصالح وترشدنا إلى ما هو الخير